
خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025، رسمت أرقام المديرية العامة للجمارك اللبنانية صورة واضحة عن طبيعة الاقتصاد اللبناني القائم على الاستيراد، حيث كشفت الارقام ان لبنان أنفق مليارات الدولارات على استيراد مختلف السلع، من الذهب إلى القمح، مرورًا بالأدوية والسيارات. وإذا كانت بعض هذه المستوردات مفهومة وضرورية، فإن بعضها الآخر يثير تساؤلات حول طبيعة الاقتصاد اللبناني القائم على الاستهلاك أكثر من الإنتاج، فما هي ابرز المنتوجات التي تم استيرادها؟
– الذهب: ملاذ اللبنانيين
احتل الذهب المرتبة الأولى في الاستيراد بقيمة بلغت 1.368 مليار دولار. والسبب هنا مزدوج: من جهة، يعتمد لبنان على تجارة الذهب كقطاع نشط للتصدير وإعادة التصدير، ومن جهة أخرى، يُعتبر الذهب وسيلة اللبنانيين المفضلة لحماية مدّخراتهم في ظل انهيار العملة المحلية وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي.
– المحروقات: مازوت وبنزين
احتل المازوت في المرتبة الثانية (1.211 مليار دولار) والبنزين ثالثًا (866 مليون دولار). والسبب معروف: أزمة الكهرباء في لبنان جعلت المولدات الخاصة مصدر التغذية الأساسي للمنازل والمؤسسات، ما يرفع الطلب على المازوت. أما البنزين فضروري لتسيير ملايين السيارات، في بلد يعتمد بشكل شبه كامل على النقل البري.
– الأدوية: صحة بلا صناعة
بلغت فاتورة الأدوية المستوردة 370 مليون دولار، وذلك بسبب غياب الصناعة الدوائية المحلية القادرة على تغطية حاجة السوق، إضافة إلى الطلب الكبير على أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية التي لا يمكن تصنيعها في لبنان.
– السيارات الجديدة والمستعملة
استورد لبنان سيارات جديدة بقيمة 237 مليون دولار، إلى جانب سيارات مستعملة بـ 47 مليون دولار وقطع غيار بمئات الملايين. السبب هو غياب أي صناعة محلية للسيارات، هذا فضلا عن كون السيارات تُعتبر استثمارًا ووسيلة للتنقل في بلد يفتقر إلى النقل العام الفعّال.
– الغذاء: استيراد الأساسيات
رغم أن لبنان بلد زراعي في الأساس، إلا أن لائحة الاستيراد تكشف حجم العجز الغذائي:
• قمح (73 مليون دولار): لأن الإنتاج المحلي غير كافٍ، والدولة تعتمد على استيراد الحبوب لتأمين الخبز.
• ذرة (67 مليون دولار) وفول الصويا (56 مليون دولار): تستورد لاستخدامها كعلف للحيوانات في قطاع الدواجن والمواشي.
• أرز (30 مليون دولار): سلعة أساسية على المائدة اللبنانية لكنها لا تُزرع محليًا بكميات كافية.
• بطاطا (30 مليون دولار): على الرغم من زراعتها في البقاع وعكار، إلا أن الإنتاج المحلي لا يغطي الحاجة أو يتأثر بالمواسم.
• سمسم وملح وتوابل: تدخل في الصناعات الغذائية، خصوصًا صناعة الحلويات والخبز.
– اللحوم: طازجة ومجمّدة
استورد لبنان لحومًا طازجة أو مبردة (54 مليون دولار) ولحومًا مجمدة (38 مليون دولار). السبب هو تراجع الثروة الحيوانية محليًا، وارتفاع كلفة الإنتاج مقارنة بالاستيراد.
– المواد الصناعية والإنشائية
• حديد (147 مليون دولار) وأخشاب (27 مليون دولار): ضروريان لقطاع البناء الذي يعتمد بالكامل تقريبًا على الاستيراد.
• بلاط (26 مليون دولار) وزجاج وعبوات (22 مليون دولار): تُستخدم في التشطيب والتغليف الصناعي.
• مواد كيميائية (30 مليون دولار): تدخل في عدة صناعات غذائية وطبية وزراعية.
– الكماليات والرفاهية
حتى وسط الأزمات، لم تختفِ الكماليات من واردات لبنان:
• أحجار كريمة (54 مليون دولار) وحُلي ومجوهرات (37 مليون دولار): بسبب استمرار سوق المجوهرات كقطاع نشط داخليًا وخارجيًا.
• مستحضرات تجميل (28 مليون دولار): يعكس إقبال اللبنانيين الكبير على منتجات العناية والجمال.
• أثاث (19 مليون دولار): رغم وجود ورش محلية، إلا أن الطابع الأوروبي والتركي ما زال مرغوبًا.
– الطاقة البديلة
من اللافت ارتفاع استيراد ألواح الطاقة الشمسية (26 مليون دولار). وهو تطور طبيعي بعد انهيار مؤسسة الكهرباء، حيث لجأت آلاف الأسر والشركات إلى الطاقة البديلة لتأمين حاجتها من التيار.
اذا، وبحسب الارقام فان لبنان بلد يستهلك أكثر مما ينتج، ويعتمد في أساسياته على الخارج، من الرغيف إلى البنزين، ومن الدواء إلى الكهرباء. وهو واقع يُلقي الضوء على خطورة غياب سياسات زراعية وصناعية متينة، ويدفع للتساؤل: إلى متى سيبقى الاقتصاد اللبناني “مرهونًا” لميناء الاستيراد؟