لم يتمكّن القطاع العقاري في لبنان من استعادة عافيته بعد، بفعل عوامل سياسيّة واقتصاديّة وتمويليّة. ورغم استمرار غياب القروض السكنيّة، ترتفع أسعار العقارات بنسب متباينة بين منطقة وأخرى، حيث تشهد بعض المناطق زيادة في حجم المعاملات، بينما تواجه أخرى جمودًا في السوق العقاري.

نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين، وليد موسى لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى تقلّبات شهدها السوق العقاري طيلة هذا العام،على وقع التطورات الأمنيّة والسياسيّة، حيث مرّ القطاع  في مراحل مختلفة بدءًا بالأجواء الإيجابيّة والتفاؤليّة التي تلت انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة، وما رافقها من آمال بإعادة تحريك السوق، مرورًا بمواصلة الاعتداءات الإسرائيليّة والمناكفات الداخليّة، ما انعكس ترددًا لدى المستثمر والشاري “وبعد رفع الحظر عن سفر الإماراتيين إلى لبنان، شهدنا اندفاعة كبيرة من قبل إماراتيين وكويتيين وقطريين انعكست طلبًا مرتفعًا في السوق العقاري. ثم انحسر الطلب الأجنبي على وقع الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة حيث دخلنا في مرحلة ترقّب، وبعد نهاية الحرب عاد الأمل بتحريك السوق، ولكن حال دون ذلك الجو السلبي في البلد، ربطًا بسلاح حـ.ـزب الله، خصوصًا أنّ خطاب التهديد باستخدام السلاح في الداخل لا يشجّع أيّ أجنبي أو لبناني على الاستثمار”.
عمليات الشراء ضعيفة
العامل الأبرز الذي يفرمل اندفاعة الشباب اللبناني للتملّك وشراء شقق، يتمثّل في  انخفاض القدرة الشرائيّة، واستمرار غياب القروض السكنيّة التي تموّل المطور وتساعد الشاري، إذ لا يمكن للمواطنين من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط شراء مسكن بغياب التمويل. أمّا قروض مصرف الإسكان، بسقف مئة ألف دولار، والمخصّصة للمساكن خارج المدن الكبرى، وفق شروط معينة، فهي لا تغطّي الحاجة، ولكن يجب أن يستفيد منها المواطن وفق موسى “في الوضع الراهن، هناك طلب من قبل المغترب اللبناني، ولكن هذا لا يعني أنّ هناك الكثير من البيوعات تحصل، بل تقتصر عمليات البيع على عدد قليل، وتتركز في المناطق التي تمتاز بقدرة شرائيّة مرتفعة، من قبل متموّلين لبنانيين يعيشون بين لبنان والاغتراب”.
الأسعار ترتفع
رغم حال القطاع، تشهد الأسعار ارتفاعًا ملحوظًا “المناطق ذات القدرة الشرائيّة المرتفعة، مثل فقرا، وسط بيروت، الرملة البيضاء، الأشرفية،وبحر عمشيت استعادت أسعارها بفارق ما بين 20 و 15% عن مستوياتها السابقة. أمّا المناطق التي تعتمد على القروض السكنيّة على أنواعها، فلا زالت أسعار العقارات فيها بعيدة عن المرحلة السابقة بنسبة 30%” يلفت موسى.
زيادة في تراخيص البناء..وجبل لبنان في الصدارة
وفقاً لتقرير بنك عودة الفصلي، بدأ قطاع البناء يستعيد حيويته بنسب متفاوتة بين المناطق. يشير التقرير إلى زيادة تراخيص البناء في النصف الأول من العام 2025 بنسبة 16.1% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. “بلغت مساحة التراخيص 2826763 متراً مربعاً مقابل 2434866 متراً مربعاً في النصف الأول من العام 2024، وفقًا لأرقام نقابة المهندسين في بيروت”.
من حيث التوزّع المناطقي للتصاريح، حصلت محافظة جبل لبنان على أكبر حصة، وهي 45.2% من الإجمالي (1278.86 متراً مربعاً). تلتها محافظة لبنان الجنوبي بنسبة (25.4%، أو 718989 متراً مربعاً)، ثم محافظة البقاع (%12.1، أو 343085 متراً مربعاً) فالنبطية (11.3%، أو 318608 متراً مربعاً)، فيما شكّلت حصة بيروت 4.9% من المجموع (137941 متراً مربعاً) وحصة لبنان الشمالي 1.1% (30054 متراً مربعاً). ويُعزى هذا النمو إلى ازدياد التراخيص المعطاة في كل المناطق، بنسب تراوح بين 4.3% و 48.4% بين النصف الأول من العام 2024 والنصف الأول الأول من العام 2025، باستثناء البقاع حيث سجّلت رخص البناء انخفاضا بنسبة 28.4%.
التعافي مرهون بحلول سياسيّة وإصلاحيّة
الانتعاش الحقيقي للسوق العقاري، وتمكين اللبناني من التملك، يتطلّب تحقيق جملة عوامل، يتكامل فيها الاستقرار السياسي والأمني مع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة منح القروض السكنية ضمن خطّة سكنيّة متكاملة، يلفت موسى “لا بدّ من الإتفاق على أيّ لبنان نريد، فلغة التهديد والعنف لن تؤدّي إلّا إلى مزيد من الانتكاسات الاقتصاديّة، ومن شأنها أن تحبط كلّ المحاولات لجذب المستثمرين اللبنانين والأجانب إلى البلد”.