
إعتزَّيتُ عميقاً و سًرِرتُ قلبياً ان أُسَمَّى وزيراً للشباب و الرياضة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثالثة ، و هي السابعة و السبعون بعد الاستقلال الصادرة مراسيمها في 10 ايلول 2021 ، و التي عنوان بيانها الوزاري : { معاً للإنقاذ } . تهيَّبنا الموقف ، إتكلنا على الرب ، صلينا الأبانا و الفاتحة و إنخرطنا في المهمة الإستثنائية ، إطفائيين متطوِّعين لإخمادِ حرائقَ بركانية ، مندفعين للمهمة من دون خُوَذٍ و سُتراتٍ واقية و لا خراطيم ماء ، متسلحين بعناية ربانية و رعاية مشكورة من الرؤساء و المرجعيات و بدعاءات مبروكة من الأهل و الاصدقاء و الأخيار الطيبين .
كانت أولى إلتزاماتِ و تعهداتِ ( ورقة إعتمادي ) التي قدَّمتها و قرأتها قوفاً للرؤساء الثلاثة في يوم خدمتي الاول ، و كأنها ( قسَمٌ و تعهُّدٌ ) تجاه منْ أولاني و ولَّاني ، ان تتضمن بنداً رئيساً هو : { أن لا يشكوني أحدٌ لله}.!
فَتَنَني وَجْداً ان تحملَ اللوحةُ الوزارية التي خُصِّصَتْ لي رقم { 10 حكومي } ، من دون ان تربطني بالارقام و الأعداد و النِسَب و حلِّ الطلاسم و فكَِ المكتوب أيُّ صداقةٍ و لا شغفٍ و لا أيُّ معرفةٍ و لا رفقةٍ و لا صُحبةٍ و لا حتى تعايش موسمي ، لأنني من عشيرة الحَرْفِ ، و ( شيوخِ رَبْعَةِ ) آلكلمة البيضاء ، و ليستْ عندي ملَكَةُ و لا عزَّكُ ان اكون منرعشيرة الأرقامِ و لا من ارستقراطييِّ المُتضلِّعينَ بعلومِ الاعداد و سحرها . ذلكَ لأنني لَمْ احظَ بموهبةِ العَدِّ و الإعتدادِ و لا أُعطَ نكهَةَ الحَسْبِ و التحَسُّبِ ، فَهمْتُ على وجهي مُتَوَكِّئاً على رضى الوالدين ، حافظاً آيةً { إسرائيَّةٍ } …و ما قلتُ : ( أفٍّ ) مرَّةً ..!
و لشدَّةِ ما اعتقدُ أني ملتزمٌ مع قناعاتي البسيطة ، من ان الوزارة هي ( خدمة ) و ليست ( سلطة ) ، تمنَّعتُُ عن وضع اللوحة الوزارية على سيارة أستعملها . اولاً لأنها ليسَتْ مُلكي ، و اخيراً لأنني بطبعي و خُلقي و تربيتي لا احتمي بمنصب و لا أسعى الى كرسي و لا تغرّني لوحة رسمية ، و لا أنْشَدُّ إلى مواقع و لا أنجذِبُ الى مقامٍ دنيوي… لا تكبُّراً على عطية و لا نكراناً لنعمة ، و لا إدعاءً بالتواضع . بل إني أعترفُ أنني قررتُ عدم ( التَمخْمُل ) و لن انتمي إلى الطبقة المخملية ، و لن استخدم لوحة رقم { 10 حكومي } ، خوفاً من تفلُّتاتِ الشارع و حرصاً على كرامة اللوحة رقم { 10 حكومي } و ما و مَنْ تمثل ، و سلامةِ مَنْ قد يكون معي في السيارة ، مخافة ان يكون مشروع ضحية تلك اللوحة رقم { 10 حكومي } ، و منعاً من أن ينظر اليَّ أحدٌ بطرفِ عينه أو يهمسَ بتمتمةٍ أو تصدرَ منه تكتكةٌ تسيءُ لي و للوزراء ، فأتسبَّبُ بأذيَّةِ معنويةٍ للحكومة و ما بعدها ،و يتشوش الأمن و يَخْتَلُّ توازنُ الخبراء الإستراتيجيين في التنبؤ و التحليل و التخيُّل و التوقُّع و التوهُّم ، ففَضَّلتُ الابتعاد عن الزخرفة و البهرجة و { الفَنْكرة } ، و إلتزمتُ ان ابقى ( أنا ) ، قناعةً و نهجاً موروثاً ، بعيداً عن بروتوكول الرسميات ، لقناعة ثابتة عندي هي : أنه ما من مَجْدٍ يدوم ، و ما من شدَّةٍ إلّا و تزول .
و ليس لي ان اُصَنّفَ ما اذا كانت الوزارةُ مجداً أو أنها شِدَّة ، خاصة اذا كان هذا المَجدُ الزائفُ { تَنَكَة } …!
و الأمر متروك للزمن ، أن يَحْكُمَ لنا ، أو ان يُحْكَمَ علينا ..! و نحنُ بحُكْمِ القَدَر راضون قانعون، ايماناً منّا انه ما دام الله معنا فلن يقوى الدَهْرُ علينا..!
حكاية اللوحة رقم { 10 حكومي } ، هي أكثرُ من أقصوصةٍ و اقصرُ مِن روايةٍ و ألذُّ من خبريةٍ و أشْوَقُ من سرديةٍ و أرَقُّ من مرويةٍ بيضاء تُلهي و تُسلّي و تُغَفّي الأولاد عند النوم ، لا تبخيرَ و لا تَمْليح فيها و لا تنكَراً لنعمةٍ و لا جحداً لثقَة . فبعد ثلاث سنوات و نصف من عمر وزارتنا ، قَلِقَ مزاجي و إنهزَّ كياني و تحرَّكتْ حُشريتي و زادتْ رغبتي و عَظُمَتْ شهوتي بالحصول على ( تنكة رسمية ) محفورٍ عليها رقم { 10 حكومي } ، لا لأضعها على سيارة و أتفاخَمُ و أتعاظمُ و أتكابرُ و أتشاوف بها ، بل للإحتفاظ ( بالتنكة الرسمية ) ذكرىً من عائلتي الحكومية لعائلتي البيتية ، و أجعلَ منها لوحةً بروزاية أرصُفها الى جانب اللوحة التذكارية التي تجمع الحكومة و رئيسها مع فخامة رئيس الجمهورية و دولة رئيس مجلس النواب ، الذين منحوني ثقتهم و حمّلوني مسؤولية ان اكون وزيراً، و لَوْ بلا لوحة..!
تلك كانت أمنيةً و طلباً عائلياً لطيفاً بأن يستضيف بيتُنا اللوحة رقم { 10 حكومي } بعد ان تخلَّفتْ السيارةُ عن وضعها ، فخضعتُ لإرادةٍ أهليَّةٍ و حققتُ حلمَ العائلة الكبير ، لا لِشَوفةِ حالٍ ، بل لأقولَ إن جَحْدَ النعمةِ هو كفرٌ ، و انا لستُ من الكافرين ..!
و حين قرَّرتُ ان أصُبَّ لوحةً تحمل الرقم { 10 حكومي } للإحتفاظ بها فقط لا غير ، قطعاً لوعدٍ و وفاءٍ لنذرٍ قطعته لإبني كريستيان ، عَزَّ الأمرُ عليَّ و كاد ان يكون المنالُ مستحيلًا لولا إغاثةٍ مقدَّرةٍ من صديقٍ غالٍ سارعَ لإهدائي هذه التقدمة بمناسبة العيد الثاني لولادة حكومتنا، مع علم معاليه المُسبَق أنني لن أجرؤ ابداً على المجازفة و تحمُّلِ مسؤولية قيادة سيارة ذات لوحة حكومية ، و كيف اذا كانت اللوحة تحمل رقم { 10 حكومي } ؟!!
المَجْدُ للَّوحة رقم { 10 حكومي } ، لأنها عُلِّقَتْ على حائطِ صدرِ البيت لا على سيارة ، كأنها { لوحةٌ زيتية } موقعَّة من رسَّامٍ ذوَّاقٍ مُبدِعٍ شهيرٍ ، و ليست { لوحةً تنكيةً } تحمل الرقم { 10 حكومي }..!
يا رب إحفظْ لبنانَ ، بعهوده و مجالسه و حكوماته و شعبه..!