
قبل أيام، أصدر النائب العام المالي القاضي ماهر شعيتو قراراً قضائياً وصفه كثيرون بـ “الجريء” يقضي بإلزام الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، بمن فيهم بعض المصرفيين، بإعادة المبالغ التي حوّلوها إلى الخارج خلال فترة الأزمة المالية التي عصفت بلبنان منذ عام 2019، وإيداعها في المصارف اللبنانية بالعملة ذاتها وذلك خلال مهلة شهرين وتحت إشراف مباشر من النيابة العامة المالية ووفقاً للشروط التي تضعها، بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني.
القرار لم يكشف عن القيمة الحقيقية للأموال التي حوّلت إلى الخارج خلال الأزمة، لكن يُشير العديد من المعنيين انها تُقدر بملايين الدولارات، فما هي انعكاسات هذا القرار؟ وهل عند إعادة هذه الأموال إلى النظام المصرفي سيستعيد اللبنانون ودائعهم المحتجزة منذ أكثر من 6 سنوات؟
في هذا الإطار، أشار خبير المخاطر المصرفية والباحث لدى كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور محمد فحيلي في حديث لـ “لبنان 24” إلى انه “منذ بداية الأزمة المالية عام 2019، يعيش اللبنانيون على وقع قرارات قضائية وتعاميم مصرفية تُقدَّم كلّها على أنّها خطوات إنقاذية، آخرها كان قرار القاضي ماهر شعيتو”.
وقال: “ظاهرياً القرار يبدو قوياً بل تاريخياً، لكن عندما نضعه في ميزان الواقع نرى أنّه أقرب إلى رسالة سياسية وضغط معنوي منه إلى حلّ مالي فعلي، فالقانون اللبناني يحمي الملكية الفردية وحرية التصرّف بالأموال، وأي إلزام جماعي بإعادة التحويلات يحتاج إلى قانون واضح أو إثبات جرم فردي، وهو ما لم يحصل بعد”.
واعتبر فحيلي ان “المشهد اليوم يُذكّرنا بتجربة التعميم الأساسي رقم 154 الصادر عن مصرف لبنان عام 2020، حينها أُلزمت المصارف بحضّ كبار المساهمين والمُديرين على إعادة 15% إلى 30% من الأموال التي حوّلوها إلى الخارج منذ عام 2017، ووضعها في حسابات خاصة مجمَّدة”.
وأضاف: “التعميم رقم 154 رُوِّج له كأنه بداية إصلاح، لكن تبين بعد مرور سنوات، ان المودعين لم يعرفوا كم بلغ مجموع الأموال المُعادة، ولم تُنشر أي بيانات شفافة، كما لم تُستخدم هذه الأموال لحماية صغار المودعين أو لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، ما يعني بكلام أوضح التعميم كان إعلاناً بلا تطبيق.”
وسأل فحيلي “لماذا لم يتخذ القاضي شعيتو قرارا بإلزام المصارف على إعتماد سعر صرف الدولار المصرفي والذي حدد بوضوح في التعميم الأساسي لمصرف لبنان الذي يحمل الرقم 167 الصادر في 2 شباط 2024؟”
وشدد فحيلي على ان “قرار شعيتو قد يواجه المصير نفسه الذي واجهه التعميم الأساسي لمصرف لبنان رقم 154″، مُشيرا إلى ان “الأموال المُحوّلة إلى الخارج إمّا أُنفقت أو استُثمرت أو رُهنت، وبالتالي استعادتها خلال شهرين هو أمر شبه مستحيل”.
وبحسب رأي فحيلي: “حتى لو عادت بعض الأموال، فهي ستُضاف إلى ميزانيات مصرفية مثقلة بالخسائر، وتبقى محجوزة من دون أي أثر على حياة الناس اليومية”، لافتا إلى ان “الأخطر أنّ هذه القرارات، إن لم تُصمَّم بطريقة قانونية وعملية، قد تدفع الناس أكثر نحو التعامل خارج النظام المصرفي أي “الكاش واقتصاد الظل”، وهو ما يُضعف ما تبقّى من وساطة مالية ويزيد عزلة لبنان عن النظام المالي الدولي”.
واعتبر ان “المطلوب هو قانون ضبط رساميل واضح يعطي القرارات سنداً شرعياً ويمنع الانتقائية، وتشكيل لجنة مستقلة تراقب الأموال المُعادة وتضمن تخصيصها لحماية صغار المودعين، بشفافية كاملة عبر نشر بيانات دورية عن الأموال المُستردة وكيفية استخدامها، إضافة إلى ربط أي استرجاع بخطة إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي، تشمل شطب الخسائر وتقييم الأصول وفصل المصارف القابلة للحياة عن تلك المُفلسة.”
ورأى فحيلي ان “قرار القاضي شعيتو يحمل بُعداً رمزياً لا يمكن إنكاره، فهو يوجّه رسالة أنّ زمن الحصانة المطلقة قد ولّى، لكن الرمزية وحدها لا تكفي”، مُضيفاً: “اللبنانيون سمعوا الكثير من القرارات التاريخية والتعاميم المنقذة، لكن على أرض الواقع لم يروا سوى ودائع محجوزة، مصارف عاجزة، ووعود متبخرة.”
وشدد على ان “البلد يحتاج إلى خارطة طريق صريحة تعيد الثقة بالقطاع المالي وتضمن العدالة للمودعين، ومن دون ذلك يبقى القرار القضائي الأخير كما التعميم رقم 154 عنواناً كبيراً لكن بنتيجة هزيلة”،بحسب رأيه.
إذا هل سيكون قرار النائب العام المالي الأخير مدخلا لمكافحة الفساد وإعادة الودائع المصرفية إلى أصحابها بعد سنوات من الانتظار؟