
الجريدة
وضع «حزب الله» بدعم واضح من إيران، عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة نواف سلام أمام أخطر أزمة سياسية، وبات لبنان أمام منعطف مفتوح على كل السيناريوهات، بما فيها إعادة شبح أزمة 2006، عندما قاطع الوزراء الشيعة حكومة فؤاد السنيورة بسبب المحكمة الدولية، ثم استخدم الحزب سلاحه داخل بيروت ضد خصومه السياسيين لفرض تسوية الدوحة في 2008.
ووصل الوضع إلى هذا الحد بعد أن اختار الثنائي الشيعي أمس، الردّ على قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة وتكليف الجيش اللبناني إعداد خطة تنفيذية من الآن وحتى نهاية السنة الحالية، بالانسحاب من جلسة الحكومة الثانية التي خُصصت للبحث في ورقة الموفد الأميركي توم براك، وقد تمكن الثنائي من الضغط على الوزير الشيعي الخامس فادي مكي للانسحاب من الجلسة، علماً بأنه في جلسة الثلاثاء الفائت كان هو الوزير الذي أمن الميثاقية.
وقبل انسحابهم، حاول وزراء الثنائي الشيعي المطالبة بإعادة النظر في قرار حصر السلاح وتكليف الجيش بإعداد الخطة وتحديد مهلة زمنية، لكن رئيسي الجمهورية والحكومة رفضا ذلك، فطالب وزراء الثنائي بتأجيل البت بورقة براك إلى ما بعد إعداد خطة الجيش، لكن هذا الطلب أيضاً قوبل بالرفض.
ويأتي انسحاب الثنائي الشيعي بعد ضغوط كبيرة مورست من «حزب الله» وحركة أمل على الحكومة للتراجع عن قرارها، كما أن إيران دخلت على الخطّ عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي، الذي اعتبر أن قرار الحكومة سيفشل، معلناً دعم طهران لأي خطوة يقوم بها «حزب الله» في مواجهة القرار. وفي موقف إيراني آخر أقرب إلى التهديد، اعتبر مساعد قائد فيلق القدس إيرج مسجدي، أن سلاح الحزب لن يتم نزعه أبداً. هذه المواقف الإيرانية أعادت خلط الأوراق على الساحة الداخلية اللبنانية، وهو ما انعكس في التوتر السياسي الذي عايشه لبنان على وقع الجلسة الحكومية.
ورغم انسحاب وزراء الثنائي واعتباره أن الجلسة أصبحت فاقدة للميثاقية بعدم وجود مكون أساسي على طاولة مجلس الوزراء، فإن الجلسة بقيت مستمرة، واستُكمل البحث في ورقة براك، إلا أن بعض الوزراء اقترحوا تأجيل البحث به وعدم اتخاذ قرار كي لا تتصاعد الأمور أكثر. واقترح رئيس الحكومة البدء ببحث الأهداف الواردة في ورقة برّاك، بينما شدد وزراء الثنائي على ضرورة تصحيح قرار الحكومة، واعترضوا على وضع جدول زمني لنقاشات تتعلق بسلاح المقاومة في ظل استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، خصوصاً أن الورقة المطروحة لم تحظَ بعدُ بموافقة إسرائيلية.
وأكدت الأوساط استعداد الحزب لمناقشة حصرية السلاح كما وردت في البيان الوزاري للحكومة التي نالت الثقة، ولكن فقط ضمن إطار استراتيجية الأمن الوطني. وفور البدء بمناقشة الصفحة الأولى من الورقة الأميركية، انسحب الوزراء الشيعة من جلسة مجلس الوزراء بمن فيهم فادي مكي.
ويفتح هذا الأمر الساحة اللبنانية على احتمالات متعددة، بينها إمكانية تعطيل جلسات المجلس لفترة، بانتظار أن يعمل الجيش اللبناني على إعداد خطته، وعندها يعاد البحث في الورقة مجدداً، أما السيناريو الأخطر فيبقى أن يفتح هذا الخلاف بتوترات داخلية أو باستغلال إسرائيلي لتكثيف وتصعيد العمليات العسكرية ضد لبنان.