
جواد الصايغ – نداء الوطن
لم يعد خافيًا تغيّر اللهجة الرسمية الأميركية حيال نظام الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع منذ منتصف الشهر الحالي، بعد المعارك الدمويّة التي وقعت بين الفصائل الدرزية في محافظة السويداء من جهة، والقوات التابعة لحكومة الشرع ومقاتلي العشائر الموالين له من جهة ثانية.
المقاطع المصوّرة المتناقلة التي وصلت إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، وتمّ التداول بها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت حصول مجازر وانتهاكات بحق المدنيّين في السويداء، ساهمت إلى حدّ ما في تغيّر الموقف الرسميّ الأميركيّ، بعد شهرين من تمتع الرئيس السوري بدعم معنويّ كبير من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومبعوثه توم برّاك.
وبعد أن دخل الاتفاق بين الشرع والسويداء حيّز التنفيذ، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ترامب لعب دورًا كبيرًا في وقف الدم بالجنوب السوري، وتدخّل بشكل مباشر عبر وزير خارجيّته ماركو روبيو ومبعوثه برّاك، للتوصّل إلى اتفاق قيل عنه في واشنطن والشرق الأوسط إنه ساهم بشكل كبير في منع ارتكاب إبادة بحق السكان المدنيين في السويداء.
وجدير بالذكر أنه وقبل انطلاق المعارك هذا الشهر، كانت الجهود الأميركية الهادفة إلى تثبيت دعائم الاستقرار في سوريا قد نجحت في حزيران الماضي، بإقناع السويداء ودمشق بفتح قنوات الحوار، والتقى موفدون من قِبل الرئيس الروحي للموحّدين الدروز في سوريا الشيخ حكمت الهجري، بمسؤولين في الحكومة السورية، وقدّموا رؤيتهم لسوريا المستقبل، وما تحتاجه المحافظة من الحكومة.
وبالعودة إلى مجريات المعارك والتدخّل الأميركي، فيُلاحظ أنّ التصريح الأوّل الصادر عن إدارة واشنطن كان في 15 تموز حين نشر المبعوث الأميركي على موقع “إكس”: “إننا نسعى جاهدين للتوصّل إلى حلّ شامل وسلميّ بين الدروز والبدو والحكومة السورية وإسرائيل، ونجري مناقشات نشطة وبناءة مع جميع الأطراف للوصول إلى الهدوء”.
في سياق متصل، ومع انطلاق المعارك في 13 تموز، بدأت شخصيّات أكاديميّة وسياسيّة أميركيّة تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ما يحدث، وأبرز هؤلاء مستشار السياسة الخارجية لحملة ترامب في 2016 وليد فارس، الذي تحدّث في أكثر من منشور عن خطر وصول “الجهاديين” إلى السويداء، ثمّ دخل التحالف الأميركي الشرق أوسطي على الخط عبر توجيه عدّة رسائل إلى الخارجية والكونغرس لشرح ما يجري على الأرض، ودعوتهم إلى ضرورة الانخراط في حماية المدنيين بالجنوب السوري.
ومثّل إعدام المواطن الأميركي حسام سرايا في ساحة تشرين بمدينة السويداء نقطة تحوّل فاصلة، حيث انتشر بداية خبر إعدامه مع عدد من أفراد أسرته على نطاق واسع، وتداولته شخصيات بارزة في حركة “ماغا”، القاعدة الشعبية لترامب، كلوري لومر، ومارك ليفين وعدد كبير آخر من المغرّدين المؤثرين، قبل أن يسبّب المقطع المصوّر لإعدامه موجة ثانية هزّت الرأي العام ووسائل الإعلام.
التدخّل الأميركي لفرض وقف الهجوم من دمشق على السويداء وصل إلى مستوى وزير الخارجية ماركو روبيو، بحيث إن الاتصالات المكوكية التي جرت بين واشنطن وتل أبيب والسويداء ودمشق، ساهمت بشكل كبير في وقف إطلاق النار، والطلب من الحكومة السورية سحب مقاتليها وعشائرها إلى ما بعد حدود السويداء، وبما أن لا إمكانية لنشر قوات عربية أو إسرائيلية في محيط المحافظة، فضلًا عن الرفض التركي الصارم لتحمّل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسؤولية، خشية إعطائها دورًا أكبر، كان لا بدّ من تكفل أميركا بضمان تطبيق اتفاق وقف النار.
وإذا كانت مقاربة البيت الأبيض والإدارة ممثلة بروبيو، أكدت أنه ليس هناك “شيك على بياض” أو تفويض مطلق لأحد، وأن التعاطي الرسمي محكوم بطريقة التعاطي على الأرض وتطبيق التعهّدات، فإنّ مشروع القانون الذي قدّمه النائب الجمهوري مايك لولر لتمديد عقوبات “قيصر” لعامَين وربط رفعها بمدى تعاون سلطة دمشق في تذليل الهواجس الأميركية، أثبت من دون أدنى شكّ أن هناك تغيّرًا أميركيًّا ملحوظًا في مقاربة هذا الملف.