في ظل غموض الموقف اللبناني الرسمي وغياب الإجابات الحاسمة عن الموفد الأميركي توماس باراك، يطرح بشارة خيرالله، مؤسس دار الحوار، رؤية مقلقة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، محذراً من أن إسرائيل قد تستغل الفرصة لتنفيذ مخططها بمنطقة عازلة عبر تصعيد عسكري محتمل.

ويؤكد خيرالله، في حديثٍ لـ”ليبانون ديبايت”، أن “مغادرة الموفد الأميركي توماس باراك بيروت دون أن يحصل على جواب نهائي من الدولة اللبنانية، تشير إلى أن إسرائيل اليوم تملك الذريعة وبالتالي الضوء الأخضر أو الفرصة، بل القرار والتصميم لتنفيذ منطقة عازلة، ولتحقيق هذه المنطقة، هناك خياران، إما أن تبادر الدولة اللبنانية بسحب الحجة من إسرائيل وبسط سيادتها كاملة، أم تلجأ إسرائيل بنفسها لاستكمال الأعمال الحربية، وهذا الأمر بات واضحاً للجميع.”

ويضيف: “شخصياً، أعتبر أن الحرب عائدة إذا استمر الوضع على هذا النحو، وسبق لي أن قلت ذلك قبل عودة باراك، فإذا أتى باراك وغادر دون أن يقتنع أحد في الولايات المتحدة بأن الجيش اللبناني بصدد نزع سلاح حزب الله أو حتى تقليصه، فإن النتيجة ستكون واحدة: إسرائيل ستعود إلى التصعيد، وربما تلجأ إلى عملية عسكرية واسعة”.

وعن إمكانية تمديد مهلة نزع السلاح، يرى خيرالله أن “لا أحد يستطيع تقييم رأي الإدارة الأميركية الحقيقي. قد يذهب باراك ويبلغ بأن هناك مؤشرات أمل، وأنه إذا مُنحت العملية بعض الوقت الإضافي فقد يتحقق شيء ما، وفي المقابل، قد ترد الإدارة عليه بالقول لا، دعونا ننهي هذا الملف بما يتناسب مع مصلحة أميركا، عبر ترك إسرائيل تتصرف، لماذا علينا الانتظار أكثر؟”

ويشدّد على أن “حزب الله ليس المتضرر الوحيد من الحرب، لكنه غالباً ما يكون المتضرر الأكبر، كل إنسان يحب هذا البلد يتأذى في النهاية، فإذا كان القصف يتركز في الجنوب، وأنا أعيش في العاصمة، فهذا لا يعني أنني غير متضرر، قد لا أكون متضرراً مادياً، لكنني متضرر معنوياً ووطنياً وماديًا بشكل غير مباشر، لأن هذه الحرب تعيد لبنان إلى الوراء على كل المستويات، المتضرر هو المسلم والمسيحي، السني والشيعي، سواء كان الشيعي مؤيداً للحزب أو معارضاً له، الكل يتأذى، لأن الاقتصاد ينهار والصورة العامة للبنان تتدهور. حتى البيئة الموالية لحزب الله تتضرر بشكل مباشر لأنها مستهدفة. وبصراحة، حتى وإن اختلفت معه سياسياً، فأنا متضرر معه لأننا شركاء في هذا الوطن.”

ويشير إلى أنه “إذا اندلعت الحرب مجدداً، فسيتضرر الجميع، لكن الحزب سيتضرر أكثر. الحرب السابقة تركت ندوباً لم تُشفَ بعد، وربما لن تُشفى بسهولة. هذا النوع من الكلام يدل على أن تكرار الحرب لن يكون سهلاً لا على الحزب ولا على الوطن. وإذا وقعت الحرب مجدداً، فوقعها سيكون أقسى بكثير.”

وحول سبب مخاطرة الحزب بالدخول في حرب جديدة، يقول: “لأن عقيدة الحزب أقوى من أي شيء بالنسبة له. هذه العقيدة التي يحملها تُترجم اليوم بإصراره على المضي قدماً حتى الموت، وأنا لا أستطيع أن أتبنى هذا النهج لا من قريب ولا من بعيد. أولاً لأنني لا أنتهجه، وثانياً لأنني لا أحب أن أرى شريكي في الوطن يُزجّ به في الموت بهذا الشكل، الموت حرام”.

ويضيف: “حين أتحدث عن هذا الموضوع، أفكر بأم الشهيد، أقول لنفسي: هذه امرأة ربّت، تعبَت، سهرت وضحّت. أعرف أن ما تقوله أمام الكاميرا من فخر بأن ابنها شهيد هو جزء من تربيتها وثقافتها، لكن عندما تُطفأ الكاميرا وتعود إلى بيتها، يتغير كل شيء”.

وعن من يقول أن حزب الله يريد تسليم سلاحه لكنه محرج أمام بيئته، يؤكد خيرالله أن “مسألة تسليم السلاح ليست مرتبطة بنداء أو طلب مباشر. عملياً، هو يسلم السلاح، فحين يتوجه الجيش إلى أي مستودع في أي منطقة، سواء جنوب الليطاني أو شماله، يُسلَّم السلاح. ما يُعرض أمام الكاميرا شيء، وما يحدث خلفها شيء آخر. الشيخ نعيم قاسم مثلاً يقول: اليد التي تلمس السلاح سنقطعها، لكن في الواقع، حين تصل دورية الجيش إلى أي مستودع، لا أحد يعترض طريقها، تأخذ السلاح، وإذا لم تأخذه، يتدخل الإسرائيلي ويستهدفه، ولا أحد يمانع”.

ويتابع: “بالتالي، عملياً هو يسلم سلاحه، لكن المشكلة أنه لا يفعل ذلك من منطلق قناعة أو جرأة في اتخاذ القرار والانضباط في مؤسسات الدولة، لأنه يعتبر أن الاعتراف العلني بهذا التسليم قد يشكل انتكاسة أمام جمهوره وقواعده، وأمام الناس الذين ضحوا وأعطوا شهداء من أجله، ويرى أن هذه الهزيمة قد تتحول إلى عداء يؤثر على موقعه السياسي والانتخابي، وعند غياب المبررات والمشروعية السياسية، قد يُستبعد من الحياة السياسية كما حصل في حالات كثيرة. لهذا السبب، سيبقى متمسكاً بورقة السلاح ليتمكن في لحظة ما من ترجمتها سياسياً أو تفاوضياً”.