
الصحافي والمحلل السياسي جواد الصايغ
توقفت المعارك بين محافظة السويداء، وقوات الحكومة السورية والجماعات العشائرية، باتفاق رعته دول إقليمية وغربية، ويقضي بانسحاب كافة المقاتلين المؤيدين للحكومة من تخوم المحافظة، بالإضافة إلى سلسلة من البنود الأخرى.
الاتفاق، الذي جاء كترجمة للاتصالات الكثيفة التي جرت بين الأطراف العربية والغربية، وضع حدًا للقتال، ويجري العمل حاليًا على تثبيت نقاطه بشكل كامل كي لا تندلع المعارك مرة أخرى، في وقت قد تواجه فيه حكومة دمشق وإسرائيل تحديًا آخر في المستقبل القريب يتمثّل في وصول المتشددين إلى محافظة درعا.
ومع إسدال ستار المعركة، لا بد من العودة إلى تسلسل الأحداث الزمنية، المعلوم منها وغير المتداول في الإعلام، بدءًا من يوم سقوط النظام السوري، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى اشتعال فتيل الانفجار الذي أدى إلى سقوط الآلاف من الضحايا.
بعد سقوط النظام السوري يوم الثامن من كانون الأول من العام الماضي، قام وفد يمثل الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز، بزيارة إلى قصر الشعب للقاء أحمد الشرع، الذي كان يشغل حينها منصب رئيس غرفة العمليات العسكرية.
الوفد التقى الشرع وقدّم له التهاني على اعتبار أن السويداء كانت جزءًا من المعركة الأخيرة، باعتراف الشرع نفسه، ووصل مقاتلوها إلى العاصمة صبيحة يوم هروب بشار الأسد.
اللقاء لم يكن إيجابيًا ولا سلبيًا، وعاد الوفد بحذر من اللقاء الأول. بعد ذلك، بدأ وزراء من الحكومة التي انتقلت من إدلب بزيارة المحافظة للاطلاع على حاجاتها. استمرّت الأمور على ما هي عليه حتى ليلة رأس السنة، عندما أرسلت دمشق رتلًا عسكريًا للانتشار داخل المحافظة ومدينتها، لكن الفصائل منعته من تنفيذ المهمة الموكلة إليه بسبب عدم التنسيق، فعاد إلى العاصمة في الليلة نفسها، وبدأت الأسئلة تُثار حول وضع المحافظة.
مع مرور الأسابيع في العام الحالي، كان رئيس الهيئة الروحية في السويداء يصعّد أكثر فأكثر في وجه دمشق، على خلفية عدم انعقاد مؤتمر وطني حقيقي، وعدم إعلان دستوري مدني كما كان يطالب على الدوام.
ورغم أن حادثة جرمانا الأولى في مطلع آذار مرّت بأخف العواقب، فإن الأحداث اللاحقة في جرمانا وصحنايا، أواخر نيسان، فجّرت مواجهة عسكرية محدودة على تخوم المحافظة، وانتهت بقصف إسرائيلي لمحيط قصر الشرع، واتفاق مع السويداء يقضي بإخراج الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة، مقابل إبقاء الأجهزة الخدماتية، وضمان أمن وسلامة العابرين على الطريق الذي يربط العاصمة بالمحافظة الجنوبية.
لم تشهد الأوضاع تصعيدًا كبيرًا خلال تلك الفترة رغم استمرار عمليات الخطف على الطريق السريع، وساهمت الجهود الدولية، خصوصًا الأميركية، في دفع الطرفين إلى الجلوس والحوار. ومثّل يوم 21 حزيران محطة فارقة، عندما التقى وفد يمثل الشيخ الهجري بوفد حكومي في دمشق، بهدف وضع اللبنة الأولى لحلّ مشكلة الجنوب.
يومها، طالب الوفد بفتح معبر مع الأردن أسوة بدرعا، واستقطاب الاستثمارات، وربط الأجهزة الشرطية والتنسيق الأمني مع دمشق، وإعلان دستوري يضمن قيام دولة مدنية، ونظام إداري لامركزي.
كانت الأجواء إيجابية، وانعكست بعد يومين بقيام محافظ السويداء، مصطفى بكور، الذي كان قد غادر المحافظة قبل أسابيع إثر هجوم مسلحين على مكتبه، بجولة على مراكز الامتحانات في المحافظة برفقة مسؤولين في الدولة.
وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر فيه إجراء جولات جديدة من الحوار، بدأت التسريبات تخرج من دمشق وتفيد بأن فتح المعبر سيفسّره السوريون على أنه انفصال. ومع عبارات الثناء التي أغدقها المبعوث الأميركي طوم براك على سلطة دمشق، واجتماع باكو مع مسؤولين إسرائيليين، بالتزامن مع استمرار عمليات الخطف على طريق السويداء–دمشق، انفجرت الأوضاع يوم الأحد 13 تموز، إثر توقيف تاجر درزي على حاجز أمني، وسلبه شاحنة خضار كان يقودها ومبلغًا ماليًا.
عندها، هاجمت عائلته حيًّا للبدو، وانزلقت الأمور إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع دمشق في الأيام التالية، إلى جانب تدخل إسرائيلي بلغ مستوى غير مسبوق في التاريخ الحديث.
انتهاء الحرب جعل الجميع يتساءل عن اليوم التالي. فالمعارك التي وقعت والمجازر التي ارتُكبت خلّفت جرحًا عميقًا. الدولة السورية تعرّضت لهزّات معنوية كبرى، بدءًا من ضرب قواتها وقصف قيادة أركانها، وخروج رئيسها فجرًا في بيان لإعلان انسحاب جيشه.
أما السويداء، فباتت تُنظر إليها، من قِبل شريحة واسعة، على أنها “إسرائيلية الهوى والحماية والتوجّه”. فهل لا تزال اللامركزية طلبًا واقعيًا؟ أم أن الحد الأدنى أصبح فدرالية… أو حتى أكثر من ذلك؟