إيران تُمسك بقرار سلاح الحزب

في كواليس المفاوضات الجارية حول وقف إطلاق النار ونزع سلاح حزب الله، يتكشّف المشهد تدريجيًا على نحوٍ يعيد تأكيد الحقيقة التي يعرفها الجميع، لكنها كانت تُقال همسًا: إيران هي صاحبة القرار الأخير في ملف سلاح الحزب، وهي من تُمسك بمفاتيح التوقيت والمصير.

الحزب يُراوغ… ويُضيّع الوقت

أحد الشخصيات اللبنانية التي التقت الموفد الأميركي توم باراك في اليومين الماضيين، كشف أن حزب الله أظهر مرونة أولية تجاه فكرة تسليم سلاحه الثقيل، بل وذهب بعيدًا في الموافقة على بعض البنود المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة شمال الليطاني، وهي بنود وردت في اتفاق 27 تشرين الثاني، وأيضًا في البيان الوزاري للحكومة الحالية التي يشارك فيها الحزب.

لكن المفاجأة كانت تراجع الحزب السريع عن هذه الليونة، وبدئه الحديث عن سوء إدارة التفاوض مع الجانب الأميركي، ليُعلن من جديد، وبشكل صريح، على لسان أمينه العام، تمسّكه بما تبقّى من ترسانته العسكرية.

السبب؟ كلمة واحدة: إيران

المعطى الأساسي الذي غيّر موقف الحزب، بحسب مصادر مطلعة، هو تدخل إيراني مباشر، تمثل في زيارة وفد من الشخصيات الإيرانية إلى لبنان الأسبوع الماضي، حيث عقد اجتماعات خاصة مع قيادة حزب الله، وكان هدف الزيارة واضحًا: منع الحزب من اتخاذ أي خطوة تؤدي إلى تسليم سلاحه الثقيل، أو ما تبقى منه بعد شهور من المواجهات والخسائر.

السلاح ورقة تفاوض لا أكثر

إيران، التي باتت أوراقها التفاوضية مع الولايات المتحدة محدودة بفعل العقوبات والوضع الاقتصادي المتدهور، ترى في سلاح حزب الله ورقتها الأهم، وربما الأخيرة، على طاولة التفاوض مع “الشيطان الأكبر”.

ووفق المعلومات، فإن طهران ربطت أي قرار يتعلّق بسلاح الحزب بمصير المفاوضات الإيرانية – الأميركية، والتي يُتوقع أن تُستأنف نهاية الأسبوع الحالي، دون أن يصدر أي تأكيد رسمي حتى اللحظة.

بين التفاوض والسيادة: لبنان خارج المعادلة؟

يبدو أن لبنان الرسمي، رغم محاولاته صياغة رؤية وطنية لملف السلاح، عاد ليجد نفسه خارج المعادلة. فالقرار اليوم ليس في الضاحية الجنوبية ولا في بيروت، بل في طهران، التي تعتبر أن أي تنازل لبناني داخلي عن سلاح الحزب، سيُفقدها ورقة ثمينة أمام واشنطن.

الغضب الداخلي يتصاعد… والانقسام يتعمّق

لكن الواقع الميداني يُقلق الحزب أكثر من أي وقت مضى. فبحسب مصادر سياسية، فإن:

  • النقمة الشعبية داخل بيئة الحزب تتصاعد، نتيجة الخسائر المادية والبشرية، وغياب الأفق لإعادة الإعمار.
  • التباين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري يتوسّع، إذ يرى الأخير أن الوقت يداهم الجميع، وأن المناورة لم تعد ممكنة.
  • إسرائيل قد تواصل ضرباتها المحددة، ما سيزيد من الضغط على قيادة الحزب، ويُحدث شرخًا حقيقيًا داخل صفوفه.

هل لا يزال السلاح “مقدسًا”؟

رغم كل الشعارات التي رُفعت على مدى عقود: “السلاح لتحرير القدس”، و”المقاومة للدفاع عن الوطن”، إلا أن الحقيقة المؤلمة اليوم، كما يصفها كاتب المقال، أن هذا السلاح:

“لم يُحرر القدس، لم يطرد الاحتلال من التلال الخمس، لم يمنع الانهيار الاقتصادي، ولم يبنِ دولة، ولم يحمِ قرى الجنوب من الدمار.”

بل أكثر من ذلك، بات يُستخدم اليوم كأداة تفاوض في خدمة النظام الإيراني، لا كمصدر قوة للبنان أو لشعبه.


إيران تُملي… ولبنان ينتظر

في ظل هذا الواقع، يُطرح السؤال الأهم:
هل أصبح سلاح حزب الله مجرد رصيد تفاوضي بيد الإيراني، تُسحب منه أو تُضاف إليه الأوراق بحسب مصلحة طهران؟
وإذا كان القرار ليس بيد الحزب، فهل يملك لبنان السيادة ليفرض جدولًا زمنيًا؟
أم أننا أمام دولة معلّقة على طاولة مفاوضات إقليمية، فيها يُبحث سلاحها، ومستقبلها، من دون أن يكون لها كرسي في القاعة؟

لبنان اليوم