التلال الخمس

في ظلّ التوتر المتصاعد بين لبنان وإسرائيل، وتكثيف الجهود الدولية، خصوصًا الأميركية، للوصول إلى تسوية تشمل نزع سلاح حزب الله، يعود إلى الواجهة ملف الاحتلال الإسرائيلي لخمس نقاط استراتيجية في جنوب لبنان، تُعرف بـ”التلال الخمس”، وهي: تلّة الحمامص، تلّة العويضة، جبل بلاط، اللّبونة، والعزيّة.

احتلال رغم القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار

رغم صدور القرار الدولي 1701 عام 2006، والذي نصّ على وقف الأعمال العدائية بين الجانبين، وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، إلا أن الجيش الإسرائيلي لا يزال متمركزًا في التلال الخمس، ما يُشكّل خرقًا مستمرًا للقرار الأممي ويُعيق تثبيت السيادة اللبنانية الكاملة جنوب الخط الأزرق.

لماذا التمسك بهذه التلال؟

يشرح الخبير الاستراتيجي رياض قهوجي في مقابلة مع موقع MTV أن السبب الرئيسي وراء تمسّك إسرائيل بهذه النقاط هو أهميتها العسكرية والجيواستراتيجية البالغة. فالتكنولوجيا المتقدمة، على أهميتها، لا تُغني عن أحد المبادئ الأساسية في الحروب البرية، وهي: السيطرة على المرتفعات.

ويضيف قهوجي:

“هذه التلال الخمس تمنح الجيش الإسرائيلي قدرة استثنائية على مراقبة القرى والمناطق المحيطة جنوب الليطاني، كما تُمكّنه من كشف التحركات بدقة في عمق الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يُعزز من تفوقه الميداني.”

نقاط انطلاق لأي عملية برّية

لا يقتصر الأمر على الجانب الاستخباراتي، فهذه التلال تُشكّل بحسب قهوجي أيضًا:

منصات إطلاق لأي عملية توغل برّي محتملة. في حال قررت إسرائيل تنفيذ هجوم بري داخل لبنان، فإن هذه التلال ستكون بمثابة نقاط انطلاق مثالية، تُسهّل تقدم القوات في القطاعات الثلاثة للجنوب اللبناني.”

ورقة تفاوضية ضد سلاح حزب الله

اللافت أن إسرائيل لا تُعامل هذه النقاط كمواقع عسكرية فحسب، بل تعتبرها أوراق ضغط سياسية تستخدمها في أي مفاوضات إقليمية أو دولية، خصوصًا تلك المتعلّقة بمصير سلاح حزب الله.

فبحسب قهوجي:

“التمسّك الإسرائيلي بهذه النقاط يُوظّف في المفاوضات حول نزع سلاح حزب الله، وهو جزء من معادلة الضغط لتوسيع نطاق نزع السلاح ليشمل كل الأراضي اللبنانية، لا الجنوب فقط.”

الربط اللبناني بين الانسحاب ونزع السلاح

من الجانب اللبناني، تصرّ الدولة على أن أي نقاش بشأن سلاح حزب الله يجب أن يرتبط بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي المحتلة، بما في ذلك التلال الخمس والنقاط الخلافية الأخرى مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

وهذا الربط يُعبّر عن موقف لبناني موحّد، يرى أن الوجود الإسرائيلي في الجنوب يُبرر بقاء السلاح في يد حزب الله تحت عنوان “المقاومة”، في حين تسعى إسرائيل إلى نزع هذا السلاح دون تقديم أي ضمانات أو انسحابات مقابلة.


صراع الجغرافيا والسياسة

تُظهر معركة “التلال الخمس” أن الصراع بين لبنان وإسرائيل لم يعد مجرد نزاع حدودي تقليدي، بل بات صراعًا على المرتفعات كأدوات تفوّق عسكري وضغط سياسي. فبينما تسعى إسرائيل لاستخدام هذه المواقع لتأمين تفوق استراتيجي وتحصيل مكاسب تفاوضية، يُصرّ لبنان على استعادتها كجزء من السيادة الوطنية، ويربط مستقبل السلاح المقاوم بتحريرها الكامل.

ومع استمرار المفاوضات التي تقودها واشنطن، يبدو أن ملف هذه التلال سيظل عقدة أساسية في طريق أي تسوية شاملة بين لبنان وإسرائيل.

لبنان اليوم