رد لبنان على ورقة باراك

في خضم التوترات الإقليمية والتدخلات الدولية المتزايدة في الشأن اللبناني، كشفت صحيفة «المدن» الإلكترونية، الإثنين 7 تموز 2025، عن تفاصيل الرد الرسمي اللبناني على الورقة التي سلّمها الموفد الأميركي توم باراك إلى المسؤولين في بيروت، والتي تضمنت مطالب صارمة تتعلق بسلاح حزب الله، والإصلاحات السياسية والأمنية المطلوبة في لبنان.

رد متوازن… ولكن غير كافٍ

وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري الرد اللبناني بأنه «متوازن»، إذ سعى، حسب مصادر الصحيفة، إلى الجمع بين الحفاظ على المصلحة الوطنية ومراعاة الضغوط الأميركية من جهة، وبين تهدئة المخاوف والملاحظات التي أبدتها قيادة حزب الله من جهة أخرى.

لكن، وبحسب التقرير، فإن هذا “التوازن” لم يُرضِ الجانب الأميركي، الذي كان ينتظر خطوات عملية وجدولًا زمنيًا واضحًا لسحب سلاح الحزب، وهو ما لم يتضمّنه الرد اللبناني، ما اعتبرته واشنطن “ردًا غير كافٍ” أو “غير مشفٍ للغليل”، وفق تعبير الصحيفة.

مضمون الرد اللبناني: أبرز البنود

استعرض التقرير أبرز ما جاء في الوثيقة اللبنانية، التي تطرقت بشكل مباشر إلى الورقة الأميركية، دون أن تتبنى آلية تنفيذية واضحة في بعض الملفات الحساسة، خاصة نزع سلاح حزب الله. ومن بين البنود الأساسية:

  • الالتزام بتفاهمات القرار الدولي 1701، ووقف الأعمال العدائية.
  • تجديد دعم مهمة قوات اليونيفيل، مع التأكيد على تعزيز قدرات الجيش اللبناني ماديًا ولوجستيًا، بما يمكنه من التوسع جنوب الليطاني.
  • الإشارة إلى تفكيك بعض منشآت حزب الله في الجنوب، في سياق تعزيز سيادة الدولة، مع التأكيد على خلو الجنوب من أي مظاهر مسلحة خارج الإطار الرسمي.
  • عدم التطرّق إلى شمال الليطاني أو تقديم جدول زمني لنزع السلاح هناك.
  • المطالبة بانسحاب إسرائيلي من النقاط الخمس المتنازع عليها، وعلى رأسها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
  • تجديد المطالبة بالإفراج عن الأسرى اللبنانيين وكشف مصير المفقودين.
  • التشديد على تنفيذ اتفاق الطائف، كأساس لتسوية سياسية داخلية.
  • وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتفعيل «لجنة الميكانيزم» الخاصة بتثبيت وقف إطلاق النار، مع مطالبة واشنطن بممارسة ضغط مباشر على إسرائيل للالتزام بذلك.
  • الدعوة إلى رعاية عربية للملف السوري اللبناني، بما يضمن عودة آمنة وكريمة للنازحين السوريين، وضبط الحدود بين البلدين.
  • التمسك بخطاب القسم والبيان الوزاري، لا سيما فيما يتعلق بسيادة الدولة وتطبيق الإصلاحات.
  • الإعلان عن المضي قدمًا في مسار الإصلاحات المالية والاقتصادية، من أجل إعادة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات اللبنانية.
  • التشديد على ضرورة إعادة إعمار المناطق المتضررة، ووضع سلاح الفصائل الفلسطينية على طاولة المعالجة، بما يتوافق مع الطائف والقرار 1701.
  • المطالبة بتفكيك وسحب السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات وخارجها.

عدم الرضى الأميركي… واتصالات في الكواليس

رغم ما تضمنه الرد من إشارات إيجابية، خاصة على صعيد الإصلاحات والتعاون مع المجتمع الدولي، إلا أن مصادر دبلوماسية أكدت أن الولايات المتحدة غير راضية عن الصيغة الحالية للرد اللبناني. فقد اعتبرت واشنطن أن الملف الأهم، أي سلاح حزب الله، لم يتم التعامل معه بوضوح أو جدّية، لا من حيث المضمون، ولا من حيث توقيت التنفيذ.

وذكرت الصحيفة أن الاتصالات بين المسؤولين اللبنانيين والدبلوماسيين الأميركيين والفرنسيين لا تزال مستمرة حتى ساعات متأخرة من الليل، في محاولة لتعديل الرد وتجنب أي تصعيد، في ظل قناعة لبنانية بأن الرد، بصيغته الحالية، لن يوقف الضغوط الأميركية ولا الإسرائيلية.

سلاح حزب الله: عقدة التسوية

يشكّل ملف سلاح حزب الله العقبة الأبرز أمام أي تسوية شاملة في لبنان. فالحزب لا يزال يتمسّك بما يسميه “سلاح المقاومة”، معتبرًا أن الظروف الإقليمية لا تسمح بتسليمه أو حتى مناقشة المسألة في هذه المرحلة.

وفي المقابل، ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة أن لا سبيل لتحقيق استقرار حقيقي في لبنان دون دمج سلاح الحزب ضمن المنظومة الدفاعية الرسمية للدولة، وإنهاء أي وجود مسلح خارج إطار المؤسسات.

لبنان بين مطرقة الضغوط وسندان الداخل

رد بيروت على الورقة الأميركية يعكس محاولة لتأجيل الصدام، أكثر مما يُعدّ انخراطًا جديًا في مسار الحل. فهو مزيج من التطمينات والتبريرات، دون تقديم التزامات حاسمة.

وفي ظل التحديات الإقليمية، والخلافات الداخلية العميقة، يواجه لبنان معضلة كبرى في صياغة موقف يرضي الداخل والخارج في آنٍ واحد. ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة اللبنانية السير على حبل التوازنات الدقيقة دون أن تسقط في فخ الانهيار السياسي أو الانفجار الأمني؟

لبنان اليوم