هل تتحوّل إيران إلى حليفة لأميركا

في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي واحتدام التوترات في الشرق الأوسط، تُطرح تساؤلات جريئة: هل يمكن أن تصبح إيران حليفة للولايات المتحدة الأميركية؟ وهل هناك فرصة حقيقية لتحوّل العلاقة بين واشنطن وطهران من العداء إلى التفاهم، في وقت يلوح فيه شبح الحرب الإقليمية من جديد؟

هذا السؤال لم يعد مجرّد فرضية بعيدة، بل بات مطروحًا بجدّية مع تصاعد التطورات الأخيرة، خاصة مع التهديدات بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار الهشّ بين إيران وإسرائيل، في حال تعثّرت المباحثات الجارية خلف الكواليس.

الضغوط الإسرائيلية تُهدّد الهدنة مع طهران

في الفترة الأخيرة، كثّفت إسرائيل ضغوطها على الولايات المتحدة لدفعها إلى تصعيد المواجهة العسكرية مع إيران، عبر تكثيف الضربات الجوية واستئناف العمليات السرّية، التي تشمل الاغتيالات، الهجمات السيبرانية، والتجسّس داخل الأراضي الإيرانية.

وترى تل أبيب أن طهران، رغم الحصار والعقوبات، لا تزال تمثّل تهديداً وجودياً، ليس فقط بسبب البرنامج النووي الإيراني، بل أيضاً بسبب شبكات النفوذ الإيراني الإقليمي، التي تشمل حلفاء مثل حزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، إضافة إلى جماعات أخرى في العراق واليمن وسوريا.

ورغم الضربات التي طالت هذه الأذرع، لا تزال إسرائيل تعتبرها “خطرًا قائمًا”، وتشير تقارير استخباراتية إسرائيلية إلى أن طهران تعمل على إعادة بناء قدراتها عبر قنوات تهريب السلاح وتوسيع نشاطاتها الأمنية والاستخباراتية في المنطقة.

التخصيب النووي مجددًا: بوابة إلى الصدام

القلق الأكبر يتمحور حول احتمال أن تعود إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنِسَب مثيرة للقلق، وهو ما قد يُفسَّر كخطوة باتجاه تصنيع السلاح النووي. في حال حصل ذلك، من المرجّح أن تلجأ إسرائيل إلى ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية، مما قد يُشعل مواجهة عسكرية واسعة تمتد إلى دول الجوار.

وقد يتسبب هذا التصعيد بانهيار التفاهمات الحالية، ما يضع علاقة واشنطن بإسرائيل على المحك، خاصة في ظل الإدارة الأميركية الحالية التي تسعى لتجنّب الحروب طويلة الأمد، وتفضّل الحلول الدبلوماسية على الخيارات العسكرية.

ردود الفعل الإيرانية: عمليات غير تقليدية

في حال وقوع ضربة إسرائيلية على الأراضي الإيرانية، فإن طهران لن تردّ بطريقة تقليدية، بل قد تلجأ إلى حرب غير متكافئة، تشمل استهداف المصالح الإسرائيلية في الخارج، سواء عبر هجمات سيبرانية، أو عبر عمليات نوعية تنفّذها جماعات حليفة في مناطق مختلفة، لا سيما في البحر الأحمر، أو الخليج، أو حتى في أميركا اللاتينية.

التراجع الروسي يفتح باب التقارب مع واشنطن

في هذا الوقت الحرج، يُلاحظ تراجع في الدور الروسي إلى جانب إيران. فرغم أن موسكو تُعدّ شريكًا استراتيجيًا لطهران، فإنها لم تقدّم دعماً عسكريًا مباشراً خلال المواجهات الأخيرة، واكتفت بمواقف سياسية وإدانات إعلامية للغارات الإسرائيلية والأميركية.

وقد كشفت الحرب الروسية الأوكرانية مدى انشغال الكرملين بأولوياته، ما أضعف قدرة موسكو على التدخل أو الدعم الفعّال لحلفائها في الشرق الأوسط، وخصوصًا إيران. هذا التراجع أثار داخل طهران علامات استفهام بشأن مدى موثوقية التحالف مع روسيا في حال اندلاع مواجهة كبرى.

إيران بين المطرقة الروسية والسندان الأميركي

مع اهتزاز الثقة بالدعم الروسي، بدأت القيادة الإيرانية تُعيد تقييم تحالفاتها الاستراتيجية. ورغم الهوة العقائدية الكبيرة مع أميركا، فإن بعض الدوائر في النظام الإيراني ترى أن التقارب التكتيكي مع واشنطن قد يكون ضرورة، وليس خيانة للمبادئ.

هذا التوجه لا يعني تحالفًا فعليًا، بل هو قراءة براغماتية لواقع صعب: إيران تعاني من عقوبات اقتصادية خانقة، ومن عزلة إقليمية ودولية، وتدرك أن كسر هذه العزلة يمرّ حتماً من بوابة التفاوض مع “الشيطان الأكبر”، وهو التعبير الذي طالما استخدمه النظام لوصف الولايات المتحدة.

الفوائد المحتملة للتفاهم الإيراني الأميركي

في حال تمكّن الطرفان من فتح قنوات تفاوض فعلية، فإن إيران قد تحقّق مكاسب ملموسة، أبرزها:

  1. تخفيف العقوبات الاقتصادية التي شلّت قطاعات النفط، المال، والاستيراد.
  2. ضمان عدم التدخل العسكري الأميركي في أي مواجهة إقليمية قد تقع.
  3. الحصول على دعم غير مباشر من خلال الإفراج عن أموال مجمّدة أو فتح قنوات استثمارية مشروطة.
  4. تعزيز استقرار النظام داخلياً، وتخفيف التوترات الشعبية الناتجة عن الضائقة الاقتصادية.
  5. كسر العزلة الدولية وفتح قنوات مع الاتحاد الأوروبي عبر بوابة واشنطن.

هل تقبل إيران بخفض التوتر مقابل البقاء؟

ربما يُطرح على طاولة النظام الإيراني خيار واضح: إما الاستمرار في سياسة التحدي والمواجهة والانزلاق نحو حرب قد تهدّد مستقبل النظام نفسه، أو القبول بتسويات مرحلية تحفظ الحد الأدنى من المصالح وتؤمّن بقاء الدولة والنظام.

ويبدو أن هذا الخيار، رغم ما يحمله من “تنازلات”، لم يعد مرفوضًا بالكامل داخل مراكز القرار في طهران. فحتى المحافظين الأكثر تشدداً بدأوا يتحدثون عن ضرورة “إدارة الصراع” بدل “تفجيره”، و”شراء الوقت” بدل المواجهة المباشرة.

مستقبل العلاقة بين إيران وأميركا: تقارب أم هدنة مؤقتة؟

في المحصلة، لا يمكن الحديث عن “تحالف” فعلي بين إيران وأميركا في المدى القريب، لكنّ المؤشرات السياسية والظروف الجيوستراتيجية تُظهر أن طهران قد تُقدِم على تسويات ذكية، تُمكّنها من تجنّب الصدام، وتُخفف عنها الأعباء الاقتصادية والعسكرية.

في حال توافرت الإرادة السياسية لدى الطرفين، فقد نشهد نقطة تحوّل في العلاقة الإيرانية الأميركية، تبدأ بهدنة طويلة الأمد، وقد تتطوّر لاحقًا إلى اتفاق شامل يُعيد إحياء الاتفاق النووي، مع تعديلات تتماشى مع المتغيرات الحالية.

هل تتحوّل إيران إلى حليفة لأميركا؟ إيران أمام منعطف تاريخي

يبقى السؤال الأهم: هل تتخلّى إيران عن خطابها العدائي التقليدي وتفتح صفحة جديدة مع الغرب؟ أم أن العداء التاريخي والعقائدي سيبقى عقبة تحول دون أي تفاهم حقيقي؟

الجواب يرتبط بالميدان، لا بالكلمات. فأي خطوة نحو التهدئة ستتطلّب من طهران كبح جماح حلفائها في المنطقة، وضبط الملف النووي، والانخراط الجاد في مفاوضات شفافة. كما ستحتاج من واشنطن تقديم حوافز فعلية، تتجاوز التصريحات السياسية.

وفي حال تحقّق هذا التوازن، قد نكون أمام لحظة مفصلية في الشرق الأوسط، تُعيد رسم التحالفات وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة، تكون فيها إيران أقرب إلى التفاهم مع أميركا من أي وقت مضى.

لبنان اليوم