المالكون القدامى بين مطرقة التعديلات وسندان الظلم المستمر

عادت قضية الإيجارات غير السكنية إلى الواجهة من جديد، وسط أجواء مشحونة ومواقف متضاربة، وذلك عشية الجلسة النيابية المقررة يوم الإثنين، والتي ستناقش خلالها اقتراحات لتعديل قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية. وقد ترافقت هذه العودة مع تسريبات تتناول مواد حساسة من القانون المنتظر، ما أثار موجة استياء وغضب عارم في أوساط المالكين القدامى، الذين وصفوا التعديلات بـ”النكسة التشريعية الجديدة”.

جدل قديم متجدد:

لطالما شكّل قانون الإيجارات غير السكنية أحد أعقد الملفات الخلافية في لبنان، نظرًا لامتداده عبر عقود طويلة، حيث خضع المالكون القدامى لقوانين استثنائية فرضت عليهم تأجير ممتلكاتهم بأسعار زهيدة، ومنعتهم من التصرّف بها بحرية، ما تسبب بتآكل حقوقهم المالية والدستورية. وبالرغم من الإصلاحات الجزئية التي أُدخلت سابقًا، بقيت القضية عالقة في دائرة المساومات السياسية، ما أدى إلى ترسيخ حالة من الظلم القانوني المزمن.

التعديلات المقترحة… ضرب لميزان العدالة؟

وفقًا للتسريبات، تتجه التعديلات الجديدة إلى تقليص مدة التمديد من 11 سنة إلى 8 سنوات، ما يعني نسف التفاهمات السابقة وتغيير قواعد اللعبة في منتصف الطريق. ويعتبر المالكين القدامى أن هذا التعديل ليس سوى خطوة إضافية تعمّق الإجحاف بحقوقهم، إذ أنه يُسقط إمكانية التعويض العادل أو استعادة الملكية في إطار زمني مقبول.

المصادر القانونية التي تواكب الملف عبّرت عن استغرابها من التوقيت السياسي الذي طُرحت فيه هذه التعديلات، متسائلة عن الجهة التي تقف وراء محاولة تمريرها بصيغة سريعة دون العودة إلى مشاورة المعنيين أو أخذ ملاحظات النقابات والهيئات الحقوقية.

من المستفيد الحقيقي؟

بحسب أرقام غير رسمية، فإن أقل من 20% من الأماكن غير السكنية في لبنان لا تزال خاضعة لقوانين الإيجار القديمة، بينما أكثر من 80% أصبحت تسير وفق حرية التعاقد الحديثة. وعلى هذا الأساس، فإن التعديلات المقترحة تُركّز على شريحة ضيّقة من الشاغلين، معظمهم من كبار التجار والمؤسسات المالية التي جنت أرباحًا ضخمة طوال سنوات على حساب بدلات الإيجار المجمدة. في المقابل، لم ينل المالكون سوى “الفتات”، وتحملوا أعباء الضرائب والصيانة والانهيار الاقتصادي.

ويعتبر كثير من المالكون أن تمديد عقود الإيجار بقرارات سياسية لا يأخذ بعين الاعتبار أوضاعهم المعيشية، يخالف مبادئ العدالة الاجتماعية ويشكل انتهاكًا صارخًا للدستور الذي يضمن صون الملكية الخاصة.

التداعيات القضائية والدستورية:

إعادة فتح الملف بهذه الطريقة أثارت مخاوف حقيقية من إلغاء مفاعيل مئات الدعاوى القضائية التي ينظر بها القضاء اللبناني اليوم، حيث يأمل المالكون باسترجاع حقوقهم بموجب القانون النافذ. أي تعديل غير مدروس قد يُحوّل هذه الدعاوى إلى ملفات منتهية الصلاحية، ويضرب عمل القضاء في صميمه، خصوصًا أن بعض القضايا وصلت إلى مراحل متقدمة من المرافعات.

موقف المالكون: لا صمت بعد اليوم

شخصيات قانونية وناشطون في قضايا الإيجارات أكّدوا أن أي قانون جديد يجب أن يكون ثمرة توافق وطني شامل يراعي التوازن بين حق المالك وحق المستأجر، وليس نتيجة ضغوط من جماعات مصالح اقتصادية وسياسية. وحذّر هؤلاء من مغبة التمادي في ظلم فئة عانت طويلاً من قوانين مجحفة، مؤكّدين أن التحرك في الشارع واللجوء إلى المجلس الدستوري سيكونان حتميين في حال إقرار التعديلات المقترحة.

وأكدت جهات معنية أن المالكين القدامى ليسوا ضد الإصلاح أو الاستقرار الاجتماعي، لكنهم يرفضون أن يُطلب منهم مجددًا دفع ثمن التوازنات السياسية على حساب مستقبلهم ومصدر رزقهم الوحيد. فـ”الملكية لا تعني الغنى”، كما يقول كثير من المتضررين، بل تعني أحيانًا معاناة مزمنة في ظل قوانين “استثنائية” تحولت إلى قاعدة.

دعوات لإعادة النظر:

في ضوء ما سبق، تتعالى الأصوات المطالبة بتجميد أي تعديل لحين إجراء حوار وطني حقيقي يشمل جميع الجهات المتأثرة بالقانون، ويضع خريطة طريق واضحة تنهي أزمة الإيجارات بإنصاف، بعيدًا عن منطق الغلبة والمصالح الضيقة.

ويؤكد ناشطون في هذا الملف أن التشريع السليم لا يُبنى على التسويات المؤقتة، بل على مقاربة متكاملة تعيد ثقة المواطن بالقانون وتُحفظ فيها الحقوق والكرامات، وتُعالج من خلالها تشوّهات الماضي دون إنتاج مظالم جديدة في المستقبل.

لبنان اليوم