
تقارب مفاجئ… فهل تلعب الرياض دور المنقذ لطهران؟
في مشهد سياسي غير معتاد، برز تقارب لافت بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وسط تصاعد غير مسبوق في التوتر بين إيران وإسرائيل. هذا التحرك السعودي، الذي جاء مباشرة بعد الهجوم الإسرائيلي على منشآت إيرانية، يطرح تساؤلات جدية حول تحوّل محتمل في تموضع إيران الإقليمي، وهل تُوجّه طهران رسائل ضمنية إلى الرياض تقول فيها: “أنقذيني”.
من العداء إلى الحوار: تاريخ من التوترات المعقّدة
العلاقة بين السعودية وإيران لم تكن يومًا سهلة أو مستقرة. فمنذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، سادت حالة من التنافس الإقليمي والعداء السياسي، تغذت من محاولات طهران تصدير الثورة إلى الجوار، ومن سياسات الدعم العلني لجماعات مسلحة في المنطقة. وبرز هذا الصراع بوضوح في ملفات عديدة مثل الحرب في اليمن، التدخل في العراق، سوريا، لبنان، والتصريحات التصعيدية لحزب الله ضد السعودية.
اتصال بن سلمان بالرئيس الإيراني… موقف مبدئي أم بوادر وساطة؟
في خطوة فاجأت المراقبين، بادر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الاتصال بالرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، مستنكرًا الهجوم الإسرائيلي، ومؤكدًا على رفض المملكة لأي اعتداء ينتهك سيادة الدول. هذا الموقف، الذي اتسم بالحذر الدبلوماسي، جاء متوافقًا مع السياسة السعودية الثابتة في رفض التصعيد ودعم الاستقرار الإقليمي.
لكن اللافت لم يكن فقط الاتصال، بل ما تبعه من تحرك دبلوماسي سعودي واسع، شمل تواصل بن سلمان مع الرئيس الأميركي وعدد من الزعماء الإقليميين والدوليين، إلى جانب اتصالات مكثّفة أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره الإيراني وعدد من وزراء الخارجية المؤثرين.
ماذا تغيّر في حسابات إيران؟
طهران، التي اعتادت الرد على الهجمات بالتصعيد، بدت هذه المرة أكثر ميلاً إلى ضبط النفس، وربما الاستعانة بدور سعودي لتفادي المزيد من الانفجار. وفي ظل العقوبات الدولية، والانهيار الاقتصادي الداخلي، والضربات الأمنية التي طالت برنامجها النووي والعسكري، قد تكون إيران قد أدركت أن المواجهة المباشرة مع إسرائيل ستكلفها الكثير، ما دفعها إلى استثمار العلاقة التي أعيد ترميمها مع السعودية بعد وساطة صينية عام 2023.
السعودية ودورها المنتظر في التهدئة الإقليمية
ليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها الرياض كوسيط إقليمي. فبفضل مكانتها في الخليج العربي، وثقلها الاقتصادي والديني، وسياستها القائمة على الانفتاح و”رؤية 2030″ التي قادتها إلى مراكز القرار العالمية، باتت السعودية الطرف الأكثر أهلية للقيام بدور الوساطة، خاصة أن جميع القوى الدولية تسعى اليوم إلى تفادي انفجار أوسع في المنطقة.
هل تبدأ وساطة سعودية حقيقية بين طهران وتل أبيب؟
حتى الآن، لا توجد مؤشرات رسمية على مبادرة وساطة مباشرة بين إيران وإسرائيل، خصوصًا أن حدة التصعيد لا تتيح مجالًا لتهدئة فورية. لكن في حال أرادت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، احتواء الأزمة، فإن السعودية ستكون الوجهة الأولى الممكنة للقيام بهذا الدور، نظرًا لقدرتها على التواصل مع الطرفين من موقع قوة وحياد نسبي.
في ضوء التطورات الأخيرة، يبدو أن إيران تعيد حساباتها الإقليمية، وتسعى لتفادي حرب شاملة قد تُطيح بما تبقّى من استقرار داخلي. وفي المقابل، تظهر السعودية كلاعب إقليمي متوازن يمكنه لعب دور الوسيط الحاسم. فهل نشهد في الأيام المقبلة مبادرة سعودية لتطويق الأزمة؟ أم أن التصعيد سيتجاوز كل وساطة ممكنة؟