
الحزب يتحرّك في توقيت حرج… ماذا يُحضّر جنوباً؟
هل يشعل حزب الله الجبهة اللبنانية في ظلّ التصعيد الإيراني الإسرائيلي؟
في خضمّ التصعيد المتسارع في الشرق الأوسط، ومع تصاعد وتيرة الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران،
عاد الحديث مجدداً عن موقف حزب الله اللبناني من التطورات الأخيرة، وسط مخاوف من اندلاع مواجهة مفتوحة على الجبهة اللبنانية – الفلسطينية. فهل يتّجه لبنان إلى الحرب؟
وما هي الرسائل التي بعثها الحزب في الساعات الحرجة الماضية؟
تحرك لبناني سريع لاستطلاع موقف حزب الله
مع الساعات الأولى للهجمات الجوية التي شنّتها إسرائيل على مواقع داخل إيران،
تحركت الدولة اللبنانية على نحو عاجل عبر قنوات دبلوماسية رسمية باتجاه حزب الله،
في محاولة لاستكشاف نواياه العسكرية، خاصة في ظل حساسية الوضع الداخلي وخشية انجرار لبنان إلى معركة لا يحتملها اقتصاديًا أو اجتماعيًا.
الرد من الحزب كان مختصراً لكنه واضح المعالم: “ما يجري هو عدوان إسرائيلي مباشر على إيران، وطهران قادرة على الرد والتصرف”.
في هذا الرد، يلمّح الحزب إلى أنه لن يدخل المواجهة بشكل مباشر إلا إذا توسّعت الضربات لتشمل الأراضي اللبنانية.
التزام بالتهدئة… ولكن بحذر
رغم التوتر الإقليمي، تقول مصادر مطّلعة إن حزب الله ما زال ملتزماً بالاتفاقات المعقودة، وعلى رأسها اتفاق 27/11 والقرار الدولي 1701.
وقد نقل لبنان عدة رسائل دولية للحزب مفادها أن المجتمع الدولي يفضل الاستقرار في الجنوب. في المقابل، لم يصدر عن الحزب أي تهديد فعلي أو خطوة تصعيدية تُفسّر على أنها نيّة في خرق الاتفاقيات القائمة.
هذا المشهد لا يعني أن الجبهة الجنوبية هادئة بالكامل.
فـ”حزب الله” ترك لنفسه هامش تحرّك محتمل في حال قرّرت إسرائيل توسيع عمليتها العسكرية تجاه لبنان،
خصوصًا إذا شملت اجتياحًا بريًا أو استهدافًا مباشرًا للبنية التحتية في الجنوب اللبناني.
إسرائيل تفكر بجدية في جبهة الشمال
بحسب مصادر دبلوماسية، نقل سفير غربي رفيع تحذيرًا إلى مسؤولين لبنانيين،
يفيد بأن إسرائيل قد تُقدِم في وقت قريب على خطوات عسكرية نحو الجبهة الشمالية، بهدف توسيع دائرة الضغط على “محور المقاومة”.
هذه الرسائل تأتي ضمن إطار الحرب النفسية، لكنها لا تخلو من دلالات ميدانية تستحق المتابعة الدقيقة.
المخاوف تكمن في أن تل أبيب قد تستغل اللحظة الحالية لإضعاف النفوذ الإيراني في الإقليم عبر سلسلة من الهجمات الجوية أو حتى البرية، وهو سيناريو لا يمكن استبعاده،
خاصة في ظل حكومة يمينية إسرائيلية تبحث عن انتصار إقليمي بأي ثمن.
حزب الله وإيران: لعبة التوازن والتكامل
في الوقت الراهن، لا يبدو أن إيران بحاجة إلى دعم عسكري مباشر من حزب الله. على العكس، تشير التقديرات إلى أن طهران ترغب في فرض معادلة ردع استراتيجية مع إسرائيل من دون توسيع دائرة الاشتباك.
هذا لا يمنع الحزب من البقاء في جهوزية عالية، لكنه في المقابل يفضّل عدم التورط في مواجهة مباشرة قد تستنزف قدراته وتستدرج لبنان إلى حرب شاملة.
ومن الملاحظ أن الضربات الإسرائيلية على إيران كانت موجعة جدًا، وركّزت على استهداف بنى تحتية عسكرية، ومراكز بحث علمي، وخبراء في مجالات حيوية.
غير أن طهران تعاملت مع التصعيد بحرفية عالية، واستطاعت الرد بسرعة، ما أعاد نوعًا من التوازن إلى المشهد الإقليمي.
المعركة تتخطّى البرنامج النووي
تحليل الأوساط الاستراتيجية في طهران يُظهر أن المعركة الحالية لا تقتصر على الملف النووي، بل تشمل محاولة إسرائيلية – أميركية لإعادة رسم موازين القوى في المنطقة.
الهدف هو شلّ القوة العسكرية الإيرانية، وإضعاف “أذرعها” في المنطقة، وخصوصًا حزب الله، الحشد الشعبي، والحوثيين.
وتُدرِك القيادة الإيرانية أن نتيجة هذه المواجهة ستحدد شكل المنطقة في السنوات المقبلة. فإذا تمكنت طهران من فرض توازن ردع جديد، فإن حلفاءها، خصوصًا حزب الله، سيكسبون نقاطًا استراتيجية.
أما إذا نجحت إسرائيل في توجيه ضربة موجعة، فإن آثارها السلبية لن تقتصر على إيران فحسب، بل قد تمتد إلى سوريا، العراق، ولبنان.
هل يعود الحزب إلى مربع المفاجآت؟
المراقبون يلاحظون أن حزب الله لم يكشف بعد عن أوراقه بالكامل، بل يترك المجال للمناورة والمفاجآت عند الحاجة. وحتى الآن، يكتفي الحزب بإرسال رسائل ميدانية محدودة،
قد تشمل إطلاق طائرات مسيّرة استطلاعية أو إطلاق صواريخ محدودة لا تخرق الخطوط الحمراء، لكنها تبقي “الضغط قائماً” على الجبهة الشمالية.
ورغم أن حجم الردود الإيرانية على الضربات الإسرائيلية أكبر من المتوقع،
إلا أن حزب الله لا يزال يُمسك بزمام المبادرة في الجنوب، ويراقب بدقة التطورات ليحدّد توقيت الرد إذا لزم الأمر.
الجنوب في عين العاصفة… ولكن الحسابات دقيقة
لا شك أن الجنوب اللبناني يقف اليوم على حافة الاشتعال. لكن قرار الحرب لم يُتخذ بعد. حزب الله، كما إيران، يفضّل اللعب تحت سقف الردع المدروس، ولكن مع الاحتفاظ بحق الرد في الوقت المناسب.
في هذا التوقيت الحرج، تبقى المعادلة مفتوحة على كل الاحتمالات، ويبقى السؤال الأهم: هل تكون لبنان الساحة المقبلة في معركة رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد؟