أسعار المحروقات في لبنان

أسعار المحروقات في لبنان تشتعل بسبب الضرائب المقنّعة … هل تعود الانتفاضة الشعبيّة؟

يشهد لبنان مجددًا موجة جديدة من التضخم المتسارع، بفعل قرارات حكومية تتضمن فرض ضرائب غير مباشرة على المحروقات،

الأمر الذي أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، وسط تحذيرات من عودة التحركات الشعبية إلى الشارع.

ما الذي يجري؟ ضريبة جديدة على البنزين والمازوت

في خطوة وُصفت بأنها “ضريبة مقنّعة”، قررت الحكومة اللبنانية تثبيت أسعار المحروقات على مستويات مرتفعة تعود لتاريخ 8 شباط 2025، بالرغم من التراجع العالمي في أسعار النفط.

القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء هدفه تمويل مساعدات مالية شهرية للعسكريين، بواقع 14 مليون ليرة (نحو 155 دولاراً) للعاملين في الخدمة، و12 مليون ليرة (130 دولاراً) للمتقاعدين.

هذا الإجراء يعني عملياً فرض رسوم غير مباشرة على المواطنين، تترجم إلى زيادة مباشرة في أسعار البنزين والمازوت. فقد ارتفع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان إلى مليون و489 ألف ليرة (نحو 16.6 دولار)، فيما بلغ سعر 98 أوكتان مليوناً و529 ألف ليرة (17.1 دولار).

أما صفيحة المازوت، فارتفعت 174 ألف ليرة لتصل إلى مليون و393 ألف ليرة (حوالي 15.6 دولار).

تأثير القرار على الأسعار والتضخم

تشير البيانات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي إلى أن مؤشر التضخم في لبنان ارتفع بنسبة 13% حتى نهاية نيسان 2025،

ما يرفع التراكم الكلي للتضخم منذ خريف 2019 إلى نحو 7300%، مقارنة بـ6430% في الفترة نفسها من العام الماضي.

هذه الزيادات السريعة في أسعار المحروقات أثّرت بشكل مباشر على أسعار النقل والكهرباء والسلع الاستهلاكية.

فالكثير من الخدمات تعتمد على مادة المازوت، خصوصًا في ظل الانقطاع الدائم للكهرباء،

ما ينعكس سلبًا على تكاليف الإنتاج في مختلف القطاعات مثل الزراعة والصناعة والسياحة.

الضغوط تتصاعد! هل تعود الاحتجاجات إلى الشارع؟

يشهد لبنان اليوم إضراباً تحذيرياً لموظفي الإدارة العامة، يشارك فيه الاتحاد العمالي العام وهيئات نقابية.

ويأتي هذا التحرّك اعتراضاً على “الظلم الاجتماعي والجحيم المعيشي” الناتج عن السياسات المالية الأخيرة.

المواقف الرافضة لهذا القرار لا تقتصر على الموظفين فحسب، بل شملت قطاعات الإنتاج من صناعيين ومزارعين ونقابيين،

ما يشير إلى احتمالية تصعيد الحراك الشعبي خلال الأيام المقبلة، في ظل استمرار ارتفاع كلفة المعيشة.

الحكومة تستسهل فرض الضرائب… بدون تشريع

يشير خبراء اقتصاديون إلى أن الحكومة “تستسهل” فرض ضرائب جديدة دون العودة إلى التشريع البرلماني،

ما يضعف الثقة بالمنظومة المالية ويفاقم من حالة الغضب الشعبي.

فمع تراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، وفرض الرسوم على أساس سعر الصرف في السوق (حوالي 90 ألف ليرة للدولار)،

بات المواطن غير قادر على مجاراة هذه الزيادات، خصوصًا في ظل غياب أي خطة للدعم أو تخفيف الأعباء.

الصناعيون يرفضون! المازوت مادة أساسية للإنتاج

في رسالة إلى رئيس الحكومة نواف سلام، طالب وزير الصناعة جو عيسى الخوري باستثناء القطاع الصناعي من الرسوم الجديدة على المازوت، موضحًا أن هذه المادة أساسية لتشغيل المصانع، وأي زيادة عليها سترفع تلقائيًا كلفة الإنتاج، مما يضعف من تنافسية المنتجات اللبنانية ويحد من القدرة على التصدير.

كما أشار إلى جهود تُبذل مع وزير الطاقة لوضع تسعيرة كهرباء خاصة للصناعيين بهدف تخفيف الأعباء.

تحذير من استغلال ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان… والحكومة تحاول ضبط الإيقاع

من ناحيته، حذّر وزير الاقتصاد والتجارة، عامر البساط، التجار وأصحاب المولدات من استغلال القرار لرفع الأسعار بشكل عشوائي وغير مبرر. كما طلب من مديرية الحبوب والشمندر السكري التواصل مع نقابات الأفران لضمان تثبيت سعر ربطة الخبز ووزنها الحالي.

لكن هذه التحذيرات لم تطمئن اللبنانيين، الذين يرون أن تجربة السنوات الماضية أثبتت أن الرقابة غائبة، والمواطن وحده من يتحمّل الفاتورة.

ردود فعل غاضبة من القطاعات الإنتاجية بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان

عبّر “تجمع الصناعيين في الجنوب” عن غضبه الشديد من القرار، معتبراً أن توقيته كارثي، خصوصًا في ظل غياب أي خطة دعم واضحة. وأكد أن استمرار هذه السياسات “التدميرية” يدفع المستثمرين إلى إغلاق المصانع أو الهجرة إلى الخارج.

كذلك حذّر رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم ترشيشي، من أن الضريبة على المازوت تُرهق القطاع الزراعي، خصوصًا أن هذه المادة تُستخدم في كل مراحل العمل الزراعي، من الري إلى النقل إلى الحصاد، ما يجعلها شريانًا حيويًا في حياة المزارع اللبناني.

هل ينهض الشارع من جديد؟

في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وغياب الإصلاحات الجذرية، تتزايد المؤشرات على عودة قريبة للاحتجاجات الشعبية. ففرض ضرائب “مقنّعة” على المواطن دون أي دعم حقيقي، وفي وقت يعاني فيه البلد من بطالة وفقر وانعدام الأمن الغذائي، سيقود حتمًا إلى تصعيد في الشارع.

يبقى السؤال: هل تعي الحكومة خطورة المرحلة؟ وهل تملك بدائل حقيقية قبل أن ينفجر الغضب الشعبي مجددًا؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.

لبنان اليوم