هل يعيد لبنان إنتاج نكبته؟

هل يعيد لبنان إنتاج نكبته؟

يعيش لبنان اليوم لحظة سياسية حساسة تشبه إلى حدّ بعيد مرحلة ما بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005. لكن، وكما في السابق، يبدو أنّ الطبقة الحاكمة تتجه مجددًا نحو تفويت الفرصة التاريخية، ما يطرح سؤالًا مقلقًا: هل يعيد لبنان إنتاج نكبته، ويقع مجددًا في فخ التردد والرهان الخاطئ؟

مشهد مألوف: الأزمات تتراكم والدولة تتردّد

منذ انتفاضة 17 تشرين 2019، يغرق لبنان في دوامة من الانهيارات الاقتصادية والسياسية. الأزمة المالية ليست سوى جزء من مشهد أعقد، حيث تتشابك ملفات الفساد، غياب المحاسبة، السلاح غير الشرعي، وتآكل مؤسسات الدولة.

تاريخيًا، اعتاد لبنان أن يهدر الفرص. منذ نهاية الحرب الأهلية، ومع كل لحظة مفصلية، كانت القوى السياسية تفشل في إنتاج نظام جديد يعكس طموحات اللبنانيين. فهل تكون اللحظة الحالية تكرارًا لهذه القاعدة المؤلمة؟

تكرار أخطاء 2005: عندما فُرّط بفرصة تاريخية

في عام 2005، أخرج اغتيال الرئيس رفيق الحريري الجماهير إلى الشارع، وانسحب الجيش السوري من لبنان بعد ضغط شعبي ودولي هائل. كان من المفترض أن تشكل تلك اللحظة بداية عهد جديد. لكن ما حصل هو العكس تمامًا.

انقسمت القوى السيادية على نفسها، انسحب العماد ميشال عون من المعارضة، وتراخت القوى السياسية أمام تصعيد «حزب الله»، وصولًا إلى حرب تموز 2006 التي غيّرت وجه المرحلة. اختفت الزخم الثوري، وتراجعت أولويات المجتمع الدولي تجاه لبنان.

المشهد يتكرّر اليوم: هل من يتعلّم من الماضي؟

اليوم، تتوفّر مجددًا فرصة دولية نادرة لإعادة بناء الدولة اللبنانية، مع تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي. إيران تحت الحصار، النظام السوري في أضعف حالاته، و”محور الممانعة” في موقع دفاعي. في المقابل، هناك دعم دولي واضح لتثبيت سيادة لبنان وبناء مؤسساته.

لكنّ السلطة اللبنانية تتعامل مع هذه اللحظة بعقلية 2005 نفسها: مساومات، تأخير، وتنازلات مفرطة أمام القوى التي تمتلك السلاح خارج الدولة. فكيف يمكن بناء وطن قوي في ظل هذا التواطؤ السياسي الداخلي؟

السلاح غير الشرعي… الجرح المفتوح

المعضلة الأساسية التي لا تزال دون حلّ هي السلاح غير الشرعي، الذي يشكّل العقبة الأكبر أمام قيام دولة فعلية. فبينما تسعى الدولة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، تستمر «الميليشيات» ببناء قدراتها وتحديث خطوط إمدادها، في ظل دعم إيراني مباشر.

إنّ عدم حسم هذا الملف يجعل كل حديث عن إصلاحات اقتصادية أو إدارية مجرّد مسكنات مؤقتة.

سياسة برّي: إعادة إنتاج نظام 2005؟

رئيس مجلس النواب نبيه برّي يبدو وكأنه يعيد تكرار سيناريو ما بعد اغتيال الحريري، عبر سحب الوقت، وفرض شروطه، والإبقاء على توازن سياسي يخدم «حزب الله». ومن خلف الكواليس، تُدار العملية السياسية وكأن شيئًا لم يتغيّر.

ويبدو أن القوى الأخرى، بدلًا من المواجهة الحاسمة، تتعامل بمرونة قاتلة، وتُعيد تدوير المنظومة نفسها، ما ينذر بخسارة الفرصة الدولية المتاحة اليوم.

خطاب القسم بلا ترجمة فعلية

على الرغم من الآمال التي علّقها اللبنانيون على خطاب القسم الأخير، جاءت التشكيلة الحكومية مخيبة للآمال، مع الإبقاء على حصص طائفية ثابتة، وتوزيع الوزارات بما يرضي القوى التقليدية، لا بما يحقق مصلحة الوطن.

لا إجراءات جدية ضد الفساد، لا خطوات واضحة لحلّ أزمة السلاح، ولا إصلاح فعلي في الإدارة العامة. وكأن البلاد تُدار وفق قاعدة “الاستمرار في الانهيار”.

هل يعود لبنان إلى نقطة الصفر؟

الخطورة اليوم تكمن في أن يتكرّر سيناريو 2005: فرصة دولية تُهدر، توازنات داخلية تُحكم بالشلل، و”حزب الله” يستفيد من الوقت لتعزيز حضوره العسكري والسياسي.

إذا لم تُتخذ قرارات جريئة وحاسمة الآن، فإن لبنان سيتراجع سنوات إلى الوراء، وتكون نكسة جديدة بحجم نكسة 2005 وربما أخطر، لأنّ هذه المرة الشعب أكثر إنهاكًا، والاقتصاد أكثر تآكلًا، والثقة بالدولة تكاد تنعدم.

لبنان اليوم