لدغات الأفاعي السامة

لدغات الأفاعي السامة في لبنان، العلاجات مفقودة …

مع اقتراب حرارة الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تعود الأفاعي السامة لتنشط مجددًا في المناطق اللبنانية، خاصة الريفية والجبلية، ما يرفع منسوب الخطر على السكان، ويُعيد إلى الواجهة أزمة غياب الأدوية المضادة للسموم (Antivenom) في المستشفيات الحكومية وبعض الخاصة. فهل نحن أمام كارثة صحية موسمية مكرّرة؟

لماذا تزداد لدغات الأفاعي صيفًا في لبنان؟

من المعروف بيئيًا أن الأفاعي تخرج من سباتها الشتوي مع بداية فصل الربيع، لكن ذروة نشاطها تمتد خلال شهري حزيران وتموز، عندما ترتفع الحرارة وتصبح المناطق الجبلية والوعرة أكثر جذبًا لها. ويُسجَّل سنويًا عدد من الحالات، خصوصًا في قرى الجنوب والبقاع والشمال، حيث تكثر الأحراج والمناطق غير المأهولة.

وبالرغم من أن بعض اللدغات لا تكون قاتلة، إلا أن التأخر في العلاج المناسب يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة قد تودي بحياة المصاب.


ما هي الأفاعي السامة الأكثر شيوعًا في لبنان؟

يتميّز لبنان بتنوع بيولوجي كبير، ويضم أكثر من 25 نوعًا من الأفاعي، من بينها 3 أنواع سامة تعتبر الأخطر على حياة الإنسان:

1. الأفعى الشامية (Vipera palaestinae)

  • الأكثر شيوعًا بين الأفاعي السامة في لبنان.
  • تعيش في المناطق الجبلية والساحلية.
  • تتميز برأس مثلثي ونقوش داكنة على الجسم.
  • السمّ يسبب تورمًا موضعيًا، وأعراضًا جهازية مثل انخفاض ضغط الدم، وصعوبة في التنفس.

2. الصل الأسود (Atractaspis engaddensis)

  • أفعى صغيرة الحجم لكنها شديدة السمية.
  • تعيش في المناطق الحارة والجافة.
  • تفرز سمًا عصبيًا يؤثر على عضلة القلب والرئتين.

3. الكوبرا العربية (Walterinnesia aegyptia)

  • أقل انتشارًا من غيرها لكنها موجودة في بعض مناطق الجنوب والبقاع.
  • سمّها عصبي وخطير جدًا، وقد يؤدي إلى الشلل والموت إذا لم يُعالج فورًا.

تنويه: أغلب الأفاعي في لبنان غير سامة، لكن من الصعب على الشخص العادي التمييز بينها وبين الأنواع السامة، لذا يُنصح بعدم الاقتراب من أي أفعى.


أعراض لدغات الأفاعي السامة: متى تُصبح الحالة خطيرة؟

تعتمد الأعراض على نوع الأفعى، وكمية السم المحقون، ومكان اللدغة. لكن أبرز الأعراض العامة تشمل:

  • ألم شديد في موضع اللدغة، يترافق مع احمرار وتورم.
  • غثيان وقيء ودوخة.
  • ضعف عام وشحوب.
  • صعوبة في التنفس، خاصة في حالات لدغات الكوبرا أو الصل.
  • تنميل أو خدر في الأطراف.
  • نزيف موضعي أو من فتحات الجسم (نادر).

إذا ظهرت هذه الأعراض بعد التعرض للدغة، يجب التوجه فورًا إلى أقرب مستشفى أو الاتصال بالصليب الأحمر اللبناني.


الإسعافات الأولية بعد اللدغة: خطوات قد تنقذ الحياة

في حال التعرّض للدغة أفعى، فإن الخطوات التالية تعتبر ضرورية ريثما يتم الوصول إلى المستشفى:

  1. الاتصال بالصليب الأحمر فورًا على الرقم 140 أو أقرب جهة إسعاف.
  2. تهدئة المصاب وتجنب الحركة قدر الإمكان.
  3. تثبيت الطرف المصاب أسفل مستوى القلب لتقليل انتشار السم.
  4. إزالة المجوهرات أو الملابس الضيقة من الطرف المصاب.
  5. عدم محاولة مصّ السم أو شقّ الجرح، لأن ذلك قد يزيد من الانتشار.
  6. عدم إعطاء المصاب مشروبات أو طعامًا حتى الوصول إلى المستشفى.

الأزمة الأخطر: أين مضاد السم (Antivenom)؟

رغم خطورة لدغات الأفاعي، تشير تقارير طبية وصيدلانية إلى ندرة وجود الحقن المضادة للسموم في معظم مستشفيات لبنان، لا سيما الحكومية منها. والسبب في ذلك يعود إلى:

  • كلفة الحقنة المرتفعة التي قد تصل إلى مئات الدولارات.
  • مدة صلاحية قصيرة لا تتعدى السنتين، ما يجعلها عرضة للتلف في حال عدم استخدامها خلال موسم اللدغات.
  • ضعف استيراد الدولة لهذه الأنواع من الأدوية منذ الأزمة الاقتصادية.

ووفق مصادر في القطاع الصحي، فإن بعض المرضى اضطروا خلال السنوات الماضية إلى اللجوء إلى سوريا للحصول على الحقنة، مما يعرّض حياتهم للخطر بسبب التأخير.


لماذا لا تؤمّن الدولة مخزونًا دائمًا من مضادات السموم؟

تُرجع بعض إدارات المستشفيات الأمر إلى غياب الميزانية، وصعوبة التنبؤ بعدد حالات اللدغ سنويًا. وفي ظل غياب دعم وزارة الصحة، تُفضّل المؤسسات الخاصة تجنّب شراء هذه الحقن التي قد تُهدر في حال عدم استخدامها خلال موسمها.

هذا الواقع يضع المواطنين، خصوصًا في القرى النائية، تحت تهديد دائم، ويؤكد أن الصحة العامة في لبنان باتت رهينة الأزمات وليس فقط للسموم!


ما المطلوب لتفادي الكارثة الصحية؟

  1. حملة وطنية للتوعية عبر وسائل الإعلام حول التعامل الآمن مع الأفاعي.
  2. دعم مستشفيات الأطراف من قبل وزارة الصحة بمخزون كافٍ من مضادات السم.
  3. تدريب الكوادر الصحية على الإسعافات السريعة لحالات التسمم.
  4. التنسيق مع منظمات الصحة العالمية لتوفير الحقن بأسعار مدعومة.

نصائح لتجنّب لدغات الأفاعي السامة في الصيف:

  • عدم المشي في المناطق العشبية الكثيفة أو الصخور من دون حذاء مغلق.
  • تجنّب الجلوس أو النوم في العراء ليلاً.
  • عدم تحريك الحجارة الكبيرة أو الحطب بيدين عاريتين.
  • في حال رؤية أفعى، لا تحاول قتلها أو الاقتراب منها، بل غادر المكان فورًا.
  • احتفظ برقم الصليب الأحمر في متناول اليد.

مع كل صيف، تعود قضية لدغات الأفاعي السامة لتطرح سؤالًا كبيرًا حول مدى جهوزية النظام الصحي اللبناني في مواجهة الكوارث الطبيعية. وبين غياب الأدوية، والضعف في التوعية، يبقى المواطن وحده في الميدان، يعاني بين السم والعجز.

لبنان اليوم