
القرض الحسن
تُعد جمعية “القرض الحسن” واحدة من أبرز الظواهر المالية المثيرة للجدل في لبنان.
فهذه الجمعية التي تأسست عام 1982 عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تحت شعار “دعم الفئات المحتاجة”،
تحوّلت بمرور السنوات إلى مؤسسة مالية شبيهة بالمصارف، تقدّم خدمات مصرفية متكاملة،
في ظل دعم مباشر من “حزب الله” وتمويل خارجي يُحيطه الكثير من الغموض.
من جمعية اجتماعية إلى ذراع مالية
في العام 1987، نالت “القرض الحسن” ترخيصًا رسميًا من وزارة الداخلية اللبنانية،
وتوسّعت لتشمل اليوم أكثر من 34 فرعًا في مناطق نفوذ الحزب، أبرزها في الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والجنوب. وتقدّم الجمعية خدمات متنوعة تشمل:
- قروض مالية مضمونة بالذهب
- قروض تعاونية من المساهمين
- صناديق للتعاون الاجتماعي والريفي
- تسهيلات مالية لأصحاب الدخل المحدود
هذا النشاط المتنامي جعل من “القرض الحسن” أشبه بمصرف يعمل خارج النظام المصرفي اللبناني الرسمي،
ما أثار حفيظة المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
ضغوط أميركية متزايدة: الهدف رأس “القرض الحسن”
تؤكّد المعلومات أن “القرض الحسن” يخضع منذ سنوات لعقوبات أميركية،
إذ فرضت وزارة الخزانة الأميركية في عامي 2007 و2016 إجراءات صارمة بحق الجمعية،
متهمة إياها بـ”غسل الأموال” و”تمويل الإرهاب”، في إشارة إلى علاقتها المباشرة بـ”حزب الله”.
ومع دخول لبنان مرحلة جديدة من التفاوض مع المجتمع الدولي والدول المانحة،
يشكل “القرض الحسن” أحد أبرز الملفات الحساسة على طاولة الإصلاحات المطلوبة.
وتعتبر الولايات المتحدة أنّ استمرار هذه المؤسسة يُقوّض الجهود الإصلاحية، ويمثّل مصدر تمويل موازٍ لحزب الله خارج القنوات الشرعية.
نحو إنهاء “القرض الحسن”؟
بحسب معلومات خاصة لموقع mtv، فإن واشنطن كثّفت ضغوطها على الدولة اللبنانية لإيجاد آلية قانونية لإنهاء عمل “القرض الحسن”.
ويتمّ التباحث في إمكانية سحب الترخيص الممنوح للجمعية عبر وزارة الداخلية، الجهة الرسمية التي منحتها الترخيص سابقًا،
خاصة أن الجمعية تُمارس نشاطًا يفوق الإطار الذي أُنشئت على أساسه، ما يعتبر مخالفة قانونية.
ويجري الحديث في الأروقة الرسمية عن إخراج قانوني لتفادي إدخال مصرف لبنان في هذا النزاع،
خاصة أنّ صلاحياته لا تشمل الجمعيات المرخصة من وزارة الداخلية، بل المصارف التجارية المرخصة بموجب قانون النقد والتسليف.
التحديات والسيناريوهات المحتملة
رغم الضغط الأميركي، تبقى مسألة إقفاله شائكة للغاية. إذ أن اتخاذ مثل هذا القرار قد يشعل أزمة داخلية ذات طابع سياسي وطائفي.
فالجمعية تُعتبر بالنسبة لبيئة حزب الله شبكة دعم اجتماعي واقتصادي، يستفيد منها آلاف العائلات،
في ظل انهيار النظام المصرفي التقليدي في لبنان وانعدام الثقة بالمصارف.
وفي حال اتجهت الدولة اللبنانية نحو إغلاق “القرض”، فقد تواجه تصعيدًا سياسيًا وحتى شعبيًا،
قد يؤدي إلى توتر داخلي، في ظل الأزمة الاقتصادية المتفجرة.
يبقى السؤال المطروح اليوم: هل تنجح الضغوط الدولية في فرض نهاية المؤسسة كشرط للإصلاح،
أم أن المؤسسة ستواصل عملها وسط توازنات داخلية وخارجية دقيقة؟
الجواب سيتوقف على مدى قدرة الدولة اللبنانية على اتخاذ قرارات سيادية بمعزل عن التجاذبات السياسية، وعلى مدى استعداد حزب الله للتخلي عن أحد أبرز أذرعه المالية في هذه المرحلة الحرجة.