اليوم التالي !! لبنان أمام مفترق أمني وسياسي خطير
مايو 25, 2025
اليوم التالي !! لبنان أمام مفترق أمني وسياسي خطير
مع انتهاء الاستحقاق البلدي والاختياري في لبنان،
يدخل اللبنانيون اليوم مرحلة جديدة تحمل بين طياتها الكثير من التحديات السياسية، الأمنية، الاقتصادية والاجتماعية.
فنتائج الانتخابات البلدية الأخيرة لم تكن مجرّد أرقام، بل عكست بوضوح تغيرات في المزاج الشعبي،
ومؤشرات واضحة على ملامح المرحلة المقبلة.
الانتخابات البلدية ، بين العائلية والحزبية
شهدت المعارك الانتخابية في معظم القرى والبلدات اللبنانية مزيجاً من التنافس العائلي والسياسي.
فبينما حافظت بعض المناطق على طابعها العائلي التقليدي، برزت في أماكن أخرى أجواء حزبية واضحة، خاصة في المدن الكبرى والمناطق ذات الثقل السياسي.
ومع اكتمال عقد الاتحادات البلدية، التي عادة ما تكون أكثر ارتباطاً بالأحزاب من المجالس المحلية،
ينتظر المواطن اللبناني أدوارًا مستقبلية لرؤساء هذه الاتحادات،
ليس فقط على الصعيد الإنمائي، بل أيضاً في التحضير للاستحقاق النيابي المقبل بعد عام.
تحديات “اليوم التالي”: الأمن، الاقتصاد، والسلاح
يدخل لبنان هذا “اليوم الآخر” بمجموعة من الملفات الساخنة، في مقدمتها الملف الأمني،
الذي يعتبر حجر الأساس في أي عملية إصلاح حقيقية.
بدون أمن واستقرار، تبقى كل الخطط الاقتصادية والإنمائية حبراً على ورق.
ويجمع المراقبون على أن الخطوة الأولى نحو ترسيخ الأمن تبدأ من بسط الدولة سلطتها على كل الأراضي اللبنانية،
بدءاً من المخيمات الفلسطينية التي لا تزال خارج سيطرة الشرعية، مروراً بسلاح “حزب الله”،
الذي يشكل العقدة الكبرى في النقاش السياسي المحلي والإقليمي.
الرئيس جوزاف عون: حوار هادئ حول سلاح خارج الشرعية
منذ توليه منصب رئاسة الجمهورية، أعلن الرئيس العماد جوزاف عون أن من أولوياته مقاربة ملف السلاح غير الشرعي، بدءًا بالسلاح الفلسطيني، ومن ثم الانتقال إلى سلاح “حزب الله”.
وقد برز هذا التوجّه بوضوح خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة إلى بيروت،
حيث تركزت المحادثات على ضرورة تنظيم السلاح داخل المخيمات وتسليمه للدولة اللبنانية وفق آليات محددة.
ويحرص الرئيس عون على أن يتم هذا الملف عبر حوار هادئ بعيدًا عن التشنجات،
مع توفير مناخ سياسي ملائم يشجّع على التوافق بدل الصدام، إدراكًا منه لحساسية هذا الملف وتعقيداته.
حزب الله والسلاح: بين التفاوض والرفض الضمني
رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على بداية العهد الرئاسي الجديد، لم تُسجّل أي خطوات متقدمة في ملف سلاح “حزب الله”.
فلا الحوار انطلق، ولا “الحزب” أبدى حتى الآن استعدادًا فعليًا للدخول في مفاوضات جديّة حول مستقبل سلاحه.
تُجمع مصادر سياسية على أن “حزب الله” يعتبر السلاح ورقة استراتيجية تفاوضية،
لا يمكن التخلي عنها قبل وضوح صورة الإقليم والتفاهمات الدولية الكبرى،
خاصة في ظل توتر العلاقة بين المحور الإيراني والغرب، والضغوط التي يتعرض لها لبنان من عدة جهات.
موقف الحزب: ما قُدّم كافٍ في هذه المرحلة
في إطلالاته الإعلامية الأخيرة، أكد الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله،
أن الحزب قدّم أقصى ما يمكن في ما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار جنوب نهر الليطاني،
معتبرًا أن إسرائيل لا تزال تنتهك هذا الاتفاق يومياً، في حين يلتزم “الحزب” ببنوده بدقة.
ووفق هذا الطرح، فإن “حزب الله” يرى أن الوقت لم يحن بعد لأي تسوية نهائية تتعلق بسلاحه،
معتبرًا أن أي حديث آخر ليس سوى وسيلة لإلهاء الرأي العام عن الأزمات الأساسية التي تعصف بالبلاد.
المجتمع الدولي والضغوط الخارجية و اليوم التالي
في هذا السياق، يُطرح تساؤل كبير: هل سيُنجز الحوار المنتظر، أم أن الأمور ستبقى عالقة؟.
هناك ضغوطات خارجية تُمارَس على رئاسة الجمهورية، من بينها ما ألمحت إليه مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، في تصريحاتها الأخيرة، عن ضرورة التوصل إلى حل شامل لمشكلة السلاح في لبنان.
ويبدو أن هناك نية لدى المجتمع الدولي لدعم أي مسار يؤدي إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية،
انطلاقًا من اعتبار ذلك مدخلاً ضرورياً لاستعادة الثقة الدولية بلبنان، وتأمين المساعدات الاقتصادية المطلوبة لانتشاله من أزمته الراهنة.
اليوم التالي !! نحو بداية إصلاحية مع الحكومة الجديدة
مع اكتمال المجلس النيابي الجديد المتوقع انتخابه في السنة المقبلة،
يُفترض أن تترافق الإصلاحات مع تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ أجندة اقتصادية شاملة،
تستجيب لمتطلبات صندوق النقد الدولي، وتعيد هيكلة المؤسسات العامة، وتعزز دور القطاع الخاص في إنقاذ الاقتصاد.
هذه الخطوات تبقى مرهونة باستقرار سياسي شامل، أساسه الأمن، ومفتاحه حصر السلاح بيد الدولة.
لبنان أمام مفترق طرق
في المحصلة، يقف لبنان اليوم على مفترق طرق.
فإما أن ينجح في إدارة حوار داخلي بنّاء يقود إلى سحب فتيل التوتر، وضبط السلاح، والبدء بإصلاحات جدية،
إما أن تبقى الأزمات تراوح مكانها، بانتظار معطيات إقليمية قد لا تأتي في صالحه.
اليوم التالي ! ليس مجرد يوم بعد الانتخابات، بل هو بداية لمسار جديد، يحدّد مستقبل لبنان وأجياله القادمة.
فهل يكون هذا اليوم نقطة انطلاق نحو الدولة القوية العادلة، أم مجرّد محطة عابرة في مسلسل الأزمات المتواصلة؟