انهيار النظام السوري الجديد خلال أسابيع ؟ قراءة تصريحات ماركو روبيو ومخاطر إقصاء الأقليات

Telegram     WhatsApp
انهيار النظام السوري الجديد

انهيار النظام السوري الجديد خلال أسابيع ؟ قراءة تصريحات ماركو روبيو ومخاطر إقصاء الأقليات

في تطور لافت قد يحمل أبعاداً استخباراتية وسياسية حساسة، أطلق وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو تصريحاً مثيراً للجدل، توقع فيه “انهيار النظام السوري خلال أسابيع”،

رغم ما وصفه بـ”التحفيزات” التي قدمتها واشنطن عبر رفع العقوبات الأميركية عن دمشق، بالتوازي مع قرار أوروبي مماثل.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تستند هذه التصريحات إلى معلومات استخباراتية دقيقة تنبئ بانفجار وشيك؟

أم أنها ورقة ضغط سياسي هدفها دفع النظام السوري إلى الالتزام بشروط معينة أبرزها تفكيك شبكات النفوذ السلفي داخل أجهزة الدولة؟

بين الدبلوماسية والتهديد المقنّع هل انهيار النظام السوري الجديد وارد؟

لم تأتِ تصريحات ماركو روبيو من فراغ، بل جاءت بعد مسار دبلوماسي شهد قرارات غربية بتخفيف العقوبات عن سوريا،

ما بعث برسائل تفاؤل داخلية، وخصوصاً بين الأقليات الدينية مثل الطائفة الدرزية والطائفة الإسماعيلية.

لكن تلك التصريحات أعادت الشكوك إلى الواجهة، ودفعت المراقبين للتساؤل عن مدى واقعية هذا التفاؤل،

إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تراهن على تغييرات جذرية في بنية السلطة السورية.

فهل الحكومة السورية اليوم عاجزة عن تنفيذ المطالب الأميركية الأساسية،

وعلى رأسها إقصاء العناصر الإسلامية المتشددة من مراكز القرار، وهي عناصر ترى فيها واشنطن تهديداً مباشراً لمستقبل التعددية في سوريا.

الأقليات تدفع الثمن، الطائفة الدرزية نموذجاً

لطالما شكلت الأقليات في سوريا رقماً صعباً في المعادلة السياسية.

واليوم، ومع تعقّد المشهد، تبدو هذه المكونات في مرمى الخطر، لا بسبب قراراتها أو اصطفافاتها،

بل نتيجة حسابات دولية وإقليمية تتعامل مع الملف السوري ككل موحد، متجاهلة الفوارق الدقيقة بين مكوناته.

يُلاحظ مثلاً أن محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، تعاني من تهميش ممنهج – من قطع متكرر للكهرباء إلى غياب الخدمات الأساسية – ما يعكس توتراً عميقاً بين أبناء الطائفة والسلطة المركزية.

ورغم عدم حدوث مواجهة عسكرية مباشرة، فإن القطيعة السياسية والاجتماعية تكاد تكون مكتملة،

ويتجلى ذلك في موقف الشيخ الهجري وقيادات دينية أخرى ترفض دخول الأمن السوري إلى المنطقة.

هل تتجه سوريا نحو “حرب إلغائية”؟

من أخطر ما ورد في خطاب ماركو روبيو، حديثه عن “حرب أهلية ملحمية” مرتقبة.

وهنا لا بد من التوقف أمام مصطلح “إلغائية”، الذي يحيل إلى سيناريو مرعب:

استهداف الأقليات على يد مجموعات سلفية جهادية تسعى إلى فرض هوية مذهبية واحدة على كامل التراب السوري.

وفي حال تهاوت السلطة المركزية، فإن الفراغ الأمني والسياسي قد يُملأ من قبل تلك الجماعات،

التي لا تخفي عداءها للمكونات غير السنية، وعلى رأسها الطائفتين العلوية والدرزية.

هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان نماذج سابقة في العراق وليبيا،

حيث فشل إسقاط النظام في إنتاج بديل ديمقراطي جامع، بل أدى إلى تفكك الدول وتحوّلها إلى مناطق نفوذ متصارعة بين فصائل مسلحة ذات طابع مذهبي أو قبلي.

انهيار النظام السوري الجديد ، بين الرهان الأميركي والعجز السوري

الولايات المتحدة، كما توحي تصريحات روبيو، تراهن على تغيير داخلي في بنية السلطة السورية،

لكن دون تقديم دعم مباشر أو بدائل سياسية فعلية.

من جهة أخرى، تبدو حكومة الشرع (كما يسميها البعض) عاجزة عن تحقيق هذا التحول، سواء بسبب الولاءات الداخلية،

أو الخوف من تفكك التحالفات التي ضمنت لها البقاء طيلة السنوات الماضية.

الأخطر من ذلك، أن “النصر الدبلوماسي” الذي تمثل في رفع العقوبات لم يترجم إلى خطوات عملية تطمئن الداخل السوري،

بل تبعه تصعيد في اللهجة الأميركية، ما جعل الكثير من السوريين يعتبرون أن رفع العقوبات كان تكتيكاً مؤقتاً لا أكثر.

معضلة الثقة بين الدولة والمجتمع

أزمة سوريا اليوم ليست فقط في الحرب، بل في غياب الثقة.

فالمجتمع السوري، بمختلف أطيافه، لا يثق بجدية النظام في إجراء إصلاحات سياسية حقيقية، كما لا يثق بالوعود الغربية التي كثيراً ما تحولت إلى مشاريع فوضى.

ومن هذا المنطلق، فإن انهيار النظام السوري الجديد – إن حدث – لن يكون بالضرورة انتصاراً للديمقراطية، بل قد يكون بوابة لانهيار الدولة نفسها.

وفي هذا السياق، يجب أن يُنظر إلى تصريحات روبيو لا كتحذير فقط، بل كمؤشر على توجه أميركي نحو إدارة الفوضى لا احتوائها.

ما المطلوب قبل انهيار النظام السوري الجديد ؟

من وجهة نظر تحليلية نقدية، المطلوب اليوم هو الخروج من ثنائية “إسقاط النظام” أو “إبقاء الوضع القائم”، والانتقال إلى مقاربة جديدة تُعيد بناء الثقة بين المكونات السورية، وتعزز حضور الدولة على أسس المواطنة وليس الغلبة الطائفية أو الأيديولوجية.

أيضاً، على الإدارة السورية أن تدرك أن استمرارها لا يكون فقط بفضل القوة أو التحالفات الإقليمية، بل من خلال احتضان كل السوريين، وتحديداً الأقليات التي تشكل ضمانة لوحدة البلاد.

أما القوى الدولية، فعليها الكف عن تحويل سوريا إلى ساحة صراع بالوكالة، لأن انهيار الدولة السورية سيعني فتح جبهة جديدة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

إلى أين يتجه المشهد السوري؟

تصريحات ماركو روبيو حول انهيار النظام السوري ليست مجرد توقعات،

بل تحمل في طياتها تحذيراً واضحاً من تصاعد الفوضى، وفقدان السيطرة على الملف السوري.

وفي غياب مبادرة سياسية جدية تشمل جميع الأطراف، فإن السيناريو الأسوأ يبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى.

لذلك، تبقى الكرة في ملعب السوريين أولاً، وفي يد القوى الدولية ثانياً،

فإما إعادة بناء دولة على أسس مدنية جامعة، أو دخول نفق مظلم من الحرب الأهلية والصراعات المذهبية.

لبنان اليوم