رفع العقوبات عن سوريا !! الاقتصاد السوري الى اين؟
في خطوة تاريخية وصفت بالدراماتيكية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، ما أثار حالة من الترقب والتفاؤل في الأوساط السياسية والاقتصادية على حد سواء.
هذه الخطوة تمثل منعطفًا حاسمًا في مسيرة سوريا نحو التعافي الاقتصادي وإعادة بناء مؤسساتها المتضررة، وسط توقعات بفتح أسواق جديدة أمام تدفق السلع الأساسية التي افتقدها الشعب السوري لفترة طويلة.
خسائر اقتصادية فادحة بسبب العقوبات
تُقدّر الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوري منذ بداية الأزمة عام 2011 بأكثر من 530 مليار دولار، وكانت العقوبات الأميركية، وبالأخص قانون قيصر، أحد العوامل الرئيسة التي أدت إلى هذا الانهيار.
فقد تراجع إنتاج النفط بنسبة 90%، حيث كان الإنتاج قبل العقوبات يتجاوز 380 ألف برميل يوميًا، بينما اليوم لا يتجاوز 20 إلى 30 ألف برميل فقط.
كما أدت العقوبات إلى انهيار العملة السورية في السوق السوداء،
حيث بلغ سعر صرف الدولار الواحد أكثر من 15,000 ليرة في بعض الفترات، مصحوبًا بمعدلات تضخم تجاوزت 130%.
وأغلقت آلاف المصانع والورشات بسبب صعوبة استيراد المواد الأولية والتكنولوجيا،
ما أدى إلى توقف أكثر من 70% من المصانع الصغيرة والمتوسطة وفقًا لغرفة صناعة دمشق.
الأثر الاجتماعي والخدمي للعقوبات
لم تقتصر الأضرار على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتدت إلى البنية التحتية الصحية والخدمية التي شهدت انهيارًا حادًا. فمع قانون قيصر، تم قطع إمدادات أساسية مثل الوقود، الأدوية، ومواد البناء،
مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة تجاوزت 300% في بعض المناطق، ما زاد من معاناة المواطنين في ظل نقص الخدمات الطبية.
فرص إعادة الإعمار والتنمية بعد رفع العقوبات عن سوريا
يرى مستشار الاقتصاد السياسي الدكتور أسامة القاضي من أوتاوا أن رفع العقوبات يمثل خروجًا من “الغيبوبة الاقتصادية” التي عاشها الاقتصاد السوري لأكثر من أربعة عقود.
وأكد القاضي أن عودة سوريا إلى المجتمع الدولي والحضن العربي، ورفع العقوبات التي وصفها بـ”الظالمة”، سيمنح البلاد فرصًا جديدة للنهوض الاقتصادي.
وأشار القاضي إلى أهمية جذب الشركات العالمية الكبرى مثل “توتال” و”شل” لإعادة تأهيل قطاع الطاقة السوري،
المدمّر بسبب العقوبات والحرب. ولفت إلى وجود شركات أميركية بدأت تضغط للعودة إلى السوق السورية،
ما يبشر بفترة جديدة من الاستثمار الأجنبي.
السياق السياسي وأهمية الاستقرار بعد رفع العقوبات عن سوريا
من جانبه، أشار الدكتور شاهر الشاهر، أستاذ الدراسات الدولية من دمشق، إلى أن رفع العقوبات هو حق استعادته الشعب السوري،
مؤكداً أن العقوبات لم تكن مبررة وأنها استهدفت الشعب السوري وليس النظام فقط.
واعتبر أن العقوبات وحدت الشعب السوري، وجعلته يدرك أنها تستهدف حياته وسبل عيشه.
وأضاف أن التعامل الإيجابي مع الإدارة الأميركية الحالية قد يكون مفيدًا،
خصوصًا وأن ترامب يسعى لاستعادة مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط،
معتبراً سوريا لاعبًا رئيسيًا في استقرار المنطقة، ومشيرًا إلى مشاريع تنموية تتطلب بيئة مستقرة في سوريا.
التحديات التقنية والمالية
وأكد القاضي أن الإرادة السياسية تلعب الدور الأهم في رفع العقوبات،
وأنها تسبق الإجراءات القانونية والتشريعات، مستشهداً بتجارب سابقة في عهد ترامب.
كما أشار إلى ضرورة إعادة سوريا إلى نظام “سويفت” للتحويلات المالية العالمية،
ما سيسهل دخول الاستثمارات وعمليات التحويل المالي، ويساعد على استقرار سعر صرف الليرة السورية.
وفي ضوء عودة المغتربين السوريين، شدد القاضي على أهمية إصدار فئة جديدة من العملة (5000 ليرة) لتوفير سيولة كافية، مما يسهل الحركة الاقتصادية ويحد من التضخم.
توقعات مستقبلية للاقتصاد السوري
رغم الفرص الكبيرة التي يتيحها رفع العقوبات، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. تحتاج سوريا إلى دعم سياسي واقتصادي مكثف لإعادة بناء البنية التحتية وتحديث القطاعات الحيوية.
كما يحتاج الاقتصاد إلى تحفيز القطاع الخاص وإعادة تشغيل المصانع والشركات التي توقفت عن العمل بسبب سنوات العقوبات والحرب.
إن عودة الاستثمارات الأجنبية وفتح الأسواق أمام البضائع الأساسية ستسهم في تحسين مستويات المعيشة،
وخلق فرص عمل جديدة تهم قطاعًا واسعًا من الشباب الذين عانوا من ارتفاع معدلات البطالة خلال السنوات الماضية.
رفع العقوبات عن سوريا !! ماذا بعد؟
رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ البلاد الاقتصادي والسياسي، ويُعد فرصة ذهبية لإعادة البناء والنهوض الاقتصادي.
ولكن النجاح في هذا المسار يعتمد بشكل أساسي على الاستقرار السياسي، وحسن إدارة الموارد، وجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى تعاون المجتمع الدولي والدول العربية.
في المرحلة القادمة، ستتابع الأوساط الاقتصادية والسياسية بحذر خطوات التنفيذ،
مع مراقبة تأثير رفع العقوبات على حياة المواطن السوري اليومية، ومدى تحقيق التعافي الاقتصادي المرجو بعد سنوات من التحديات.