أنشيلوتي مدرباً للبرازيل ، “انسلاخ هوية” أم بداية طريق المجد؟
مايو 13, 2025
أنشيلوتي مدرباً للبرازيل ، “انسلاخ هوية” أم بداية طريق المجد؟
أنشيلوتي مدرباً للبرازيل – في خطوة غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم البرازيلية، أعلن الاتحاد البرازيلي لكرة القدم رسميًا تعيين المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي مديرًا فنياً للمنتخب الأول،
على أن يتولى مهماته بعد نهاية الموسم الجاري مع نادي ريال مدريد الإسباني.
هذه الخطوة تعني أن “السيليساو” سيكون على موعد مع أول مدرب أجنبي في تاريخه يخوض معه نهائيات كأس العالم – في حال التأهل إلى مونديال 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
القرار بحد ذاته صدم الكثيرين وأثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الرياضية البرازيلية والعالمية.
فهل هي لحظة تاريخية تعكس تغييرًا جذريًا في فلسفة المنتخب البرازيلي بعد سنوات من الإخفاقات؟ أم أنها بمثابة انسلاخ عن هوية كروية ضاربة في الجذور؟
خيبات متراكمة
منذ التتويج الأخير بلقب كأس العالم عام 2002 بقيادة المدرب المحلي لويز فيليبي سكولاري،
يعيش المنتخب البرازيلي حالة من الخيبات المتكررة في كأس العالم، حيث خرج من ربع النهائي في أربع من أصل خمس نسخ متتالية.
كانت آخر محطاته المظلمة في مونديال قطر 2022، عندما أقصي بركلات الترجيح أمام كرواتيا في ربع النهائي،
بعد أداء مخيب رغم كوكبة النجوم التي ضمتها التشكيلة حينها.
هذه الإخفاقات لم تكن وليدة لحظة، بل جاءت ضمن سلسلة من العثرات: من السقوط أمام فرنسا في 2006، إلى الخروج ضد هولندا في 2010، ثم الهزيمة أمام ألمانيا بسباعية تاريخية على أرض البرازيل في نصف نهائي 2014، ومروراً بالخروج أمام بلجيكا في 2018.
كلها محطات دفعت جماهير “السامبا” للتساؤل: هل حان وقت التغيير الجذري؟
هل أنشيلوتي مدرباً للبرازيل هو الحل؟
يُعدّ كارلو أنشيلوتي أحد أنجح المدربين في تاريخ كرة القدم الحديثة، إذ توج بدوري أبطال أوروبا أربع مرات كمدرب،
وقاد أندية عملاقة مثل ميلان، تشيلسي، باريس سان جيرمان، بايرن ميونخ، وريال مدريد.
يمتاز بأسلوب إداري مرن، وشخصية هادئة وقدرة عالية على إدارة النجوم والتعامل مع الضغوط.
اختيار أنشيلوتي يعكس رغبة الاتحاد البرازيلي في ضخ “عقل أوروبي” إلى منتخب لطالما اتُّهم بالفوضوية وغياب الانضباط التكتيكي.
لكن السؤال الحقيقي هو: هل يستطيع الإيطالي أن يزرع مفاهيمه في تربة برازيلية اعتادت أن تلعب على الإيقاع الفني والمهارات الفردية؟
جدل الهوية
لم يكن الجميع مرحّباً بهذا القرار.
فقد وصف النجم السابق ريفالدو تعيين مدرب أجنبي بـ”الإهانة” للمدربين المحليين، معتبراً أن البرازيل لا تزال تمتلك كفاءات تدريبية قادرة على قيادة المنتخب إلى القمة.
تصريحات ريفالدو جاءت قبل تعيين أنشيلوتي، لكنها تعكس مدى التوتر المحيط بهذه الخطوة التاريخية.
في المقابل، كان رونالدو نازاريو، أسطورة كرة القدم البرازيلية، من أبرز المؤيدين لفكرة المدرب الأجنبي،
بل إنه اقترح أسماء أوروبية لقيادة السيليساو، مثل بيب غوارديولا، في حال توليه رئاسة الاتحاد المحلي.
بين هذا وذاك، تبقى المسألة الأساسية متعلقة بماهية “الهوية البرازيلية”. فهل هي فعلاً مهددة؟ أم أن الوقت قد حان للخروج من القالب التقليدي بحثاً عن الانتصارات؟
المهمة الصعبة في تعيين أنشيلوتي مدرباً للبرازيل
أنشيلوتي لن يبدأ من نقطة الصفر.
البرازيل تمتلك مجموعة كبيرة من المواهب المنتشرة في كبرى الدوريات الأوروبية،
أبرزها فينيسيوس جونيور، رودريغو، أندرياس، ميلتاو، كاسيميرو، وغيرهم. المشكلة ليست في غياب الجودة،
بل في غياب الانسجام، والانضباط، والاستراتيجية الواضحة داخل الملعب.
يبدو أن الاتحاد البرازيلي أراد استخدام “نهج الصدمة” لتغيير العقلية، بدءًا من القمة.
ومعروف عن أنشيلوتي أنه يجيد العمل في بيئات تحتوي على نجوم، كما يتمتع بمهارة احتواء الضغوط وخلق أجواء إيجابية داخل غرفة الملابس.
لكن عليه أيضاً أن يتعامل مع ثقافة جديدة، وسط جماهير لا ترحم، وشغف لا حدود له تجاه المنتخب الوطني، في بلد تُقاس فيه قيمة الحياة بعدد ألقاب كأس العالم.
بين التجربة والرهان
قد تكون هذه المغامرة أقرب إلى الرهان منها إلى الحسابات الدقيقة.
فأنشيلوتي سيكون مطالباً بتكييف أسلوب لعبه ليتناسب مع خصائص اللاعب البرازيلي، وفي نفس الوقت فرض انضباط تكتيكي صارم على تشكيلة لطالما عانت من العشوائية والتمرد الفني.
لكن التاريخ يُظهر أن المنتخبات الكبرى التي تجرأت على “الخروج من الصندوق” أحرزت تقدماً لافتاً،
مثلما فعلت ألمانيا في 2006 بإدخال مفاهيم حديثة إلى منهجها الكروي،
أو كما فعلت فرنسا بتبني مشروع الشباب بقيادة ديدييه ديشامب.
هل ينجح أنشيلوتي مدرباً للبرازيل؟
النجاح مع البرازيل لا يُقاس بالفوز في كوبا أميركا فقط، بل بالتتويج بكأس العالم.
هذا هو سقف التطلعات دائماً، وأي نتيجة دون ذلك تُعدّ فشلاً، خاصة بعد عقود من الخيبات.
ولذلك، فإن عين أنشيلوتي ستكون مركزة على تصفيات المونديال، وكيفية إعداد فريق قادر على مقارعة الكبار في 2026.
وبينما يعوّل عليه البعض لاستعادة الهيبة، يخشى آخرون من أن تُفقد البرازيل روحها الفنية وهويتها التاريخية تحت وطأة التكتيك الأوروبي الصارم.
قرار تعيين أنشيلوتي مدرباً للبرازيل يحمل في طياته الكثير من المعاني.
هو تحدٍّ حقيقي للمدرب المخضرم، وفرصة ذهبية لإعادة “السيليساو” إلى منصات التتويج، لكنه أيضًا اختبار صعب لقدرة البرازيل على تقبّل التغيير والخروج من عباءة الماضي.
فهل يكون أنشيلوتي هو الرجل المناسب في الوقت المناسب؟ أم أن البرازيل ستدفع ثمن مغامرة غير محسوبة؟ الأشهر القادمة ستحمل الإجابة، والعيون كلها على “الكوتش كارلو”.