لبنان اليوم

العلاقات الاقتصادية السعودية – الأميركية

شهدت العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية تطوراً لافتاً خلال العقود الماضية،

حيث تنوعت مجالات التعاون بين البلدين لتشمل قطاعات حيوية مثل التجارة، والطاقة، والتعليم، والتكنولوجيا، والصناعة، والبنية التحتية، والخدمات المصرفية، والرعاية الصحية، وغيرها.

هذا التوسع يعكس الشراكة الاستراتيجية المتنامية التي ترتكز على المصالح المتبادلة بين الجانبين، وتفتح آفاقاً واعدة لمزيد من التعاون في المستقبل.

شراكة تعود جذورها إلى ثلاثينيات القرن العشرين

تعود بداية العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة إلى أوائل ثلاثينيات القرن العشرين،

وتحديداً مع بدء الاستثمارات الأميركية في قطاع النفط السعودي،

حيث شكّلت تلك المرحلة نقطة تحول في الاقتصاد السعودي وأرست دعائم تعاون طويل الأمد بين البلدين.

ومع مرور الوقت، تطورت هذه العلاقة لتشمل مجالات أوسع وأكثر تنوعاً،

ما جعلها اليوم واحدة من أبرز الشراكات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.

تنوع واسع في مجالات التعاون

تشمل العلاقات الاقتصادية الحالية بين المملكة والولايات المتحدة مجموعة واسعة من القطاعات الحيوية،

من أبرزها التجارة والخدمات المصرفية، وقطاعات البناء والتعليم والعلوم والتكنولوجيا،

إضافة إلى الصناعات البتروكيماوية والرعاية الصحية والنقل.

وقد أشار تقرير صادر عن مجلس الأعمال السعودي – الأميركي إلى أن هذا التنوع يعكس عمق الشراكة الاقتصادية، ويبرز تفاعل القطاعين العام والخاص في الجانبين نحو تحقيق مصالح اقتصادية واستثمارية مشتركة.

اتفاقيات ومبادرات لتعزيز الشراكة العلاقات الاقتصادية السعودية – الأميركية

أبرز ما يدعم هذه العلاقة هي الاتفاقيات الرسمية والمبادرات المشتركة التي تعزز من مستوى التعاون.

ومن أبرز تلك الاتفاقيات، اتفاقية إطار التجارة والاستثمار التي أُبرمت بين البلدين وتمتد لعشر سنوات،

وتهدف إلى تقوية العلاقات التجارية وتسهيل تدفق الاستثمارات بين الجانبين.

وقد تم توقيعها عام 2022 بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وسفارة الولايات المتحدة الأميركية في الرياض، في إطار التعاون العلمي والتقني.

السعودية كسوق مهم للصادرات الأميركية

تعد المملكة واحدة من أبرز الأسواق للصادرات الأميركية، حيث احتلت في عام 2024 المرتبة 28 ضمن قائمة أكبر أسواق التصدير الأميركية،

والثانية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد دولة الإمارات.

ويعكس هذا الترتيب حجم التبادل التجاري الكبير بين البلدين، والذي يشمل العديد من السلع والخدمات، من الصناعات الثقيلة إلى التكنولوجيا المتقدمة.

استثمارات سعودية في سندات الخزانة الأميركية

على صعيد الاستثمارات المالية، تمتلك المملكة العربية السعودية حوالي 140 مليار دولار في سندات الخزانة الأميركية (حتى مارس 2025)،

ما يجعلها في المرتبة السابعة عشرة بين أكبر الدول المالكة للأوراق المالية الأميركية.

وتعد هذه الاستثمارات جزءاً من سياسة المملكة في تنويع محافظها الاستثمارية على المستوى العالمي،

خصوصاً عبر صندوق الاستثمارات العامة الذي يلعب دوراً محورياً في هذا المجال.

السعودية كمصدر رئيسي للطلاب الدوليين

في قطاع التعليم، تواصل المملكة تعزيز وجودها الأكاديمي في الجامعات الأميركية،

حيث تحتل المرتبة العاشرة بين أكبر الدول المصدرة للطلاب الدوليين إلى الولايات المتحدة خلال العام الدراسي 2022-2023.

ويعكس هذا الرقم اهتمام الشباب السعودي بالتعليم العالي الأميركي، الذي يتميز بجودته الأكاديمية العالية وفرص البحث والتطوير.

استثمارات ضخمة بين القطاعين الخاص والعام لتعزيز العلاقات الاقتصادية السعودية – الأميركية

بلغت الاستثمارات المتراكمة للقطاع الخاص السعودي وصندوق الاستثمارات العامة في الولايات المتحدة الأميركية نحو 40.2 مليار دولار منذ عام 2007، ما يبرز التوسع الكبير في العلاقات الاستثمارية بين البلدين.

وتشمل هذه الاستثمارات شركات استراتيجية وأصولاً متنوعة تتوزع على قطاعات الصناعة، التكنولوجيا، البنية التحتية، والخدمات المالية.

من أبرز هذه الاستثمارات شركة “موتيفا إنتربرايزز” التابعة لأرامكو السعودية، والتي تُعدّ أكبر مصفاة في الولايات المتحدة.

كما أن شركة “داو” الأميركية تُعد من أكبر الشركات الأجنبية المستثمرة في المملكة،

من خلال مشروع مشترك مع أرامكو بقيمة 20 مليار دولار، ما يجعلها ركيزة أساسية في القطاع الصناعي السعودي.

مشاريع عملاقة في قطاع البتروكيماويات

يعمل حالياً تحالف مشترك بين شركتي “إكسون موبيل” الأميركية و”سابك” السعودية على تطوير مجمع بتروكيماويات ضخم في ولاية تكساس الأميركية، بتكلفة تصل إلى 9.3 مليار دولار.

ويعكس هذا المشروع المشترك رغبة الطرفين في توسيع نطاق التعاون الصناعي واستغلال الفرص الاقتصادية في أسواق الطاقة.

صندوق الاستثمارات العامة وتوسيع النفوذ الاستثماري

يملك صندوق الاستثمارات العامة حالياً ما يقارب 26.8 مليار دولار في الأسهم الأميركية،

ويشمل ذلك استثمارات في شركات بارزة مثل “لوسيد” المتخصصة في السيارات الكهربائية، و”أوبر” في قطاع النقل الذكي، و”Activision Blizzard” و”EA” في صناعة الألعاب الإلكترونية.

كما دخل الصندوق في شراكة استراتيجية مع شركة “بلاكستون” لإطلاق صندوق للبنية التحتية بقيمة 40 مليار دولار،

ما يوضح توجه المملكة نحو تنمية استثماراتها الخارجية في القطاعات الحيوية.

فرص صناعية واعدة في البلدين لتوسيع العلاقات الاقتصادية السعودية – الأميركية

يسلط تقرير مجلس الأعمال السعودي – الأميركي الضوء على فرص صناعية واعدة في داخل المملكة،

تشمل قطاعات الطاقة، البنية التحتية، النقل، البتروكيماويات، توليد الطاقة، الخدمات المصرفية، الرعاية الصحية، السياحة، الترفيه، والتكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى الامتيازات التجارية.

في المقابل، يبرز التقرير أيضاً القطاعات الأميركية التي يمكن أن تكون جاذبة للاستثمارات السعودية،

مثل النقل، العقارات، صناعة البلاستيك، وصناعة السيارات، والتي تمثل فرصاً استراتيجية في ظل التوجه السعودي نحو التنويع الاقتصادي ضمن رؤية المملكة 2030.

العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية تُعد نموذجاً للشراكة الاستراتيجية المتنامية،

إذ تجمع بين الاستثمارات المتبادلة، والمصالح الاقتصادية، والتعاون العلمي والتقني، ما يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة.

ومع استمرار هذا الزخم، من المتوقع أن يشهد التعاون بين البلدين مزيداً من النمو والتوسع في المستقبل القريب.