ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، بين الإرث التاريخي وفرص الحل

Telegram     WhatsApp
ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، بين الإرث التاريخي وفرص الحل

لبنان اليوم

ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا

تُعدّ مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من أبرز القضايا السيادية العالقة بين البلدين منذ الاستقلال،

وقد بقيت لعقود طويلة رهينة التوترات السياسية، والظروف الإقليمية، والتداخل الجغرافي والديموغرافي على الأرض.

ومع تطورات عام 2025، ولا سيما تسلّم لبنان خرائط وإحداثيات من فرنسا تعود إلى فترة الانتداب،

عاد هذا الملف إلى الواجهة مجددًا، مشكّلاً فرصة قد لا تتكرر لحسم النزاع الحدودي المزمن بين الجانبين.

جذور الأزمة: الحدود الموروثة من الانتداب

تعود جذور مشكلة الحدود بين لبنان وسوريا إلى الحقبة الاستعمارية، حين عمدت سلطات الانتداب الفرنسي إلى رسم خطوط حدودية إدارية بين الكيانين، دون أن تكون دقيقة أو واضحة بشكل رسمي.

لم يُنجَز أي ترسيم نهائي أو موثق على مستوى الدولة، مما ترك المجال لتداخلات جغرافية بين القرى والبلدات الحدودية، وتراكم نزاعات لم تُحل حتى اليوم.

بعد نيل البلدين استقلالهما، لم يُبذل جهد حقيقي لحل هذا الملف،

بل بقي موضع تجاذب سياسي وأمني، خاصة في ظل العلاقات المتوترة في فترات متعاقبة.

ومع توالي الأحداث، أصبحت المناطق الحدودية تشكّل نقاط تماس ومصادر تهريب وخروقات متكررة، ما زاد من تعقيد المسألة.

خرائط الانتداب: مبادرة فرنسية لحلحلة النزاع

في بادرة مهمة خلال عام 2025، تسلّمت قيادة الجيش اللبناني خرائط وإحداثيات دقيقة تعود إلى زمن الانتداب الفرنسي، تُبيّن الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا كما كانت تُدار إداريًا حينها.

تم تسليم هذه الخرائط إلى وزارة الخارجية اللبنانية، على أن تتم مطابقتها مع الخرائط والإحداثيات الحالية لدى مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني.

تكمن أهمية هذه الوثائق في أنها قد تُشكّل مرجعًا تفاوضيًا ثابتًا في أي نقاش مستقبلي حول الترسيم،

خصوصًا أن مصدرها دولي (فرنسي)، ويعود إلى مرحلة تاريخية مفصلية سبقت بروز النزاعات الحدودية.

قد عبّرت أطراف لبنانية عن أملها في أن تُستخدم هذه الوثائق لإطلاق مفاوضات رسمية مع الجانب السوري، تبدأ بترسيم الحدود البرية ثم البحرية.

التداخل السكاني والجغرافي: عقدة في وجه الترسيم

تُعاني العديد من المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا من تداخلات جغرافية وسكانية معقدة،

حيث توجد قرى لبنانية يسكنها مواطنون سوريون منذ عقود، والعكس صحيح.

هذا التداخل يجعل من مسألة الترسيم تحديًا حقيقيًا، إذ لا يتعلق فقط بتحديد خطوط جغرافية،

بل بمصير سكان وحقوق ملكية وأراضٍ متنازع عليها.

من بين هذه المناطق: الهرمل، القصر، مشاريع القاع، وقرى في عكار،

وكلّها تعاني من غياب تعريف دقيق للحدود، ما ينعكس على الوضع الأمني والاقتصادي والخدماتي.

المعابر غير الشرعية: التحدي الأمني الأكبر في ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا

من أبرز تداعيات غياب الترسيم الرسمي للحدود، الانتشار الواسع للمعابر غير الشرعية التي تُستخدم في عمليات التهريب بين لبنان وسوريا.

وقد سجّلت السنوات الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في عمليات تهريب السلع والمحروقات والأسلحة وحتى البشر.

في منطقة القصر الحدودية في الهرمل، على سبيل المثال، حصلت مواجهات دموية نتيجة محاولات تسلل، أودت بحياة ثلاثة سوريين.

وردًا على ذلك، عزز الجيش اللبناني إجراءاته الأمنية في المنطقة، من خلال تكثيف الدوريات وإقامة نقاط تفتيش جديدة على طول خط الحدود.

كما أن هذا الوضع يُهدد الاستقرار الداخلي اللبناني، خاصة أن التهريب يُلحق أضرارًا كبيرة بالاقتصاد، ويؤجج التوتر بين السكان المحليين والدولة.

اتفاق سعودي – لبناني – سوري: بوادر انفراج

شهد شهر مارس من عام 2025 تطورًا لافتًا، حين عُقد اجتماع في مدينة جدة السعودية، جمع بين وزراء الدفاع في كل من لبنان وسوريا، برعاية الوزير السعودي خالد بن سلمان.

وأسفر الاجتماع عن اتفاق مشترك على ضرورة بدء عملية ترسيم الحدود بين البلدين، بغطاء سياسي وأمني من القيادة السعودية.

يُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه خطوة مهمة باتجاه كسر الجمود القائم منذ عقود،

وقد تكون له تداعيات إيجابية على ملفات أخرى شائكة بين البلدين،

مثل ملف اللاجئين السوريين في لبنان، والتعاون الأمني في مكافحة التهريب والإرهاب.

مزارع شبعا: العقدة الأكثر حساسية في ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا

من أبرز القضايا المتفرعة عن ملف الحدود، وضع مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل وتطالب بها الدولة اللبنانية،

في حين تعتبرها الأمم المتحدة أرضًا سورية.

لحلّ هذه العقدة، يشترط المجتمع الدولي توفّر وثائق رسمية تُثبت أن المزارع لبنانية الأصل.

إن كانت خرائط الانتداب التي سلّمتها فرنسا مؤخرًا تُظهر أن المزارع ضمن الأراضي اللبنانية،

إلا أن ذلك غير كافٍ في القانون الدولي، ما لم يصدر موقف رسمي سوري يعترف بذلك.

وبالتالي، فإن أي اتفاق حدودي بين لبنان وسوريا يجب أن يشمل هذه النقطة الحساسة لتقوية الموقف اللبناني في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

ترسيم الحدود البحرية: البعد الاقتصادي

في ظل تنامي أهمية الثروات البحرية في شرق المتوسط، يُعدّ ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا أمرًا ملحًا،

لا سيما أن لبنان بدأ الاستفادة من موارده البحرية بعد ترسيم حدوده مع قبرص وإسرائيل.

غياب اتفاق رسمي مع سوريا بشأن الحدود البحرية يُبقي الوضع القانوني غير واضح،

يُعيق أي استثمار لبناني في المنطقة الشمالية من المياه الاقتصادية.

كما تبرز الحاجة لتحديد الحقوق في ما يتعلق بالمياه والأنهار العابرة،

مثل نهر العاصي والنهر الكبير، لتفادي النزاعات على الحصص المائية في المستقبل، لا سيما في ظل تصاعد أزمة المياه عالميًا.

التحديات المستقبلية أمام ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا

رغم المؤشرات الإيجابية التي ظهرت في عام 2025، فإن مسار ترسيم الحدود لا يزال محفوفًا بعقبات، أبرزها:

  • غياب الإرادة السياسية الواضحة من الجانب السوري في مراحل سابقة.
  • التداخل الاجتماعي والعائلي في المناطق الحدودية، مما يجعل الترسيم عملية حساسة.
  • التهديدات الأمنية المستمرة التي تُعيق تواجد لجان ميدانية مشتركة.
  • ضرورة وجود مرجعية دولية تضمن تنفيذ الاتفاقات وتُشرف على تطبيقها.

ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا لم يعد مجرّد مطلب قانوني، بل ضرورة استراتيجية تمسّ الأمن والسيادة والاقتصاد في البلدين.

ما جرى من تطورات في عام 2025، سواء على صعيد الخرائط الفرنسية أو الاتفاقات الأمنية،

يُشكّل فرصة تاريخية لمعالجة هذا الملف الشائك.

وإذا ما توافرت الإرادة السياسية من الجانبين، بدعم إقليمي ودولي،

من الممكن التوصل إلى اتفاق شامل يُنهي حالة الغموض، ويُعيد للدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها،

يُطلق مسار تعاون جديد بين بيروت ودمشق، مبني على الوضوح والاحترام المتبادل.


يحدث الآن

15:07
نقلا عن وثيقة للاتحاد الأوروبي “رويترز” : الوضع الأمني في سوريا قد يؤدي إلى عودة ظهور الجماعات الجهادية مع احتمال انتقالها إلى أوروبا
14:51
غادر الرئيس عون الكويت مختتماً زيارة رسمية استمرت يومين، أجرى فيها محادثات مع أمير البلاد
14:31
الاتحاد الأوروبي يدعو للعمل من أجل السلام بعد حل حزب العمال الكردستاني
14:23
وزير الخارجية السوري: عودة السوريين لا يمكن أن تتم بوجود الحصار الاقتصادي
14:09
الخارجية الإيرانية: إذا أدت المفاوضات مع أميركا إلى اتفاق فستتمكن واشنطن من الاستفادة من إمكاناتنا الاقتصادية
13:27
“وول ستريت جورنال”: مفاوضات بين “حمـ.ـاس” وإسرائيل تهدف للتوصل لهدنة مؤقتة تشمل الإفراج عن مزيد من الرهائن والسماح بعودة المساعدات الإنسانية إلى غزة
13:23
احذروا من ” تشات جي بي تي ” !! استناداً إلى قراءة فنجان قهوة أجراها برنامج الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” لأمرأة طلبت ” التبصير ” ، والذي زعم أن زوجها على علاقة بامرأة أخرى ، تقدمت سيدة بطلب الطلاق من زوجها في اليونان !!
13:17
توقيف 35 شخصاً أقدموا على إطلاق النار لدى صدور نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتَي لبنان الشمالي وعكار من قبل الجيش اللبناني
13:13
مصدر أميركي لـ CNN: بعد الإفراج عن الرهينة الأميركي ستبدأ فورا مفاوضات سلام بشأن غزة
12:53
الرئيس عون: هناك من يريد إنهاء ملف السـلاح بسرعة ونستطيع ذلك لكن من دون تسرع حفاظ على السلم الأهلي لأنه خط أحمر.

حمل تطبيق الهاتف المحمول