مأساة جديدة تهزّ طرابلس… إلى متى يستمر هذا العبث القاتل؟
مايو 8, 2025

في مشهد بات يتكرّر بشكل مأساوي في مختلف المناطق اللبنانية، هزّت مدينة طرابلس صباح اليوم فاجعة جديدة راح ضحيتها الشاب عمر أحمد عبيد، الذي فارق الحياة متأثراً بإصابته البليغة نتيجة طلقة نارية في الرأس داخل منزله. هذه الحادثة المروعة تأتي في ظل تصاعد ظاهرة إطلاق النار العشوائي في لبنان، والتي تحوّلت إلى خطر داهم يهدد حياة المواطنين يومياً.
إطلاق النار العشوائي في لبنان: ظاهرة متفشّية تهدّد السلم الأهلي
تشهد ظاهرة إطلاق النار العشوائي في لبنان تنامياً خطيراً خلال السنوات الأخيرة، حيث تحوّلت من ممارسات موسمية مرتبطة بالمناسبات الاجتماعية، إلى سلوك يومي شبه معتاد في بعض المناطق، لا سيما في الأحياء الشعبية والمكتظة. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة والمطالبات الرسمية والشعبية، فإن هذه الظاهرة ما زالت بلا رادع فعلي.
وتكمن خطورة هذه الظاهرة في أنها لم تعد محصورة في سياقات الفرح أو الحزن، بل باتت تُستخدم كوسيلة للتعبير عن الغضب، أو حتى نوع من التسلية أو الاستعراض الشخصي، ما يضع حياة الأبرياء في مهبّ الخطر في كل لحظة.
طرابلس تدفع الثمن الأكبر… والأحياء الشعبية بؤر للموت العشوائي
رغم الانتشار الواسع لهذه الظاهرة في مختلف المناطق اللبنانية، فإن مدينة طرابلس تُسجّل أعلى معدلات الحوادث المرتبطة بإطلاق النار العشوائي، خاصة في بعض أحيائها ذات الكثافة السكانية العالية مثل التبانة، القبة، التربيعة، وسوق القمح.
وغالباً ما تتحول الخلافات الفردية أو حتى المزاح إلى تبادل لإطلاق النار، في ظل غياب الرقابة وتراخي تنفيذ القوانين، ما جعل من السلاح وسيلة “عادية” للتعبير عن كل شيء، باستثناء القانون.
تفاصيل الحادثة: طلقة في الرأس تنهي حياة عمر عبيد
الشاب عمر أحمد عبيد، في العقد الثالث من عمره، كان يعيش حياة عادية في منطقة التربيعة بطرابلس، قبل أن تتحوّل لحظة إلى مأساة تودي بحياته. وتشير المعلومات الأولية إلى أن عبيد أصيب بطلق ناري في رأسه يوم الأربعاء، داخل منزله، في ظروف لا تزال غامضة حتى الساعة. وقد رجّحت المصادر أن الحادث وقع عن طريق الخطأ، إلا أن التحقيقات لا تزال جارية لتحديد الملابسات الدقيقة.
تمّ نقل عبيد بحالة حرجة إلى مستشفى النيني عبر فرق الصليب الأحمر اللبناني، حيث خضع لمحاولات إنعاش مكثفة، لكن الإصابة كانت قاتلة، وفارق الحياة صباح اليوم الخميس، وسط صدمة كبيرة في أوساط عائلته وأصدقائه وأبناء المنطقة.
تحقيقات أمنية ومشهد جنائي متكرر
حضرت القوى الأمنية والأدلة الجنائية إلى مكان الحادث فور وقوعه، وبدأت التحقيقات الأولية، حيث تم رفع الأدلة وجمع المعلومات تمهيداً لفتح ملف قضائي لكشف الحقيقة. ورغم أهمية هذه الإجراءات، إلا أن كثيرين يرون أنها تأتي دائماً بعد فوات الأوان، إذ يكون الضحية قد دفع حياته ثمناً لواقع فوضوي لم تتم السيطرة عليه بعد.
المجتمع في مواجهة السلاح غير الشرعي
حادثة عمر عبيد تعيد إلى الواجهة مجدداً الحديث عن فوضى السلاح غير الشرعي في لبنان، لا سيما في المناطق التي تفتقر إلى أبسط مقوّمات الرقابة الأمنية. وتُطرح تساؤلات جدية عن قدرة الدولة اللبنانية على ضبط هذه الظاهرة، التي باتت تشكّل تهديداً حقيقياً للسلم الأهلي والأمن المجتمعي.
ويحمّل كثير من المواطنين المسؤولية ليس فقط للدولة وأجهزتها، بل أيضاً للمجتمع المحلي الذي غالباً ما يتعامل مع إطلاق النار العشوائي كأمر عادي، دون التبليغ أو التعاون مع السلطات لكشف الفاعلين.
دعوات لردع قانوني وتوعية مجتمعية شاملة
إن استمرار هذه الظاهرة الخطيرة يتطلب أكثر من مجرد بيانات استنكار أو تحقيقات بعد وقوع الكارثة. فهناك حاجة ملحّة لوضع خطة وطنية متكاملة تشمل:
- تشديد العقوبات القانونية على كل من يستخدم السلاح بطريقة عشوائية.
- حملات توعية مجتمعية تُظهر مخاطر هذا السلوك القاتل.
- التعاون بين الدولة والمجتمع المدني لتفكيك ثقافة السلاح كمصدر للفخر أو التسلية.
- تعزيز دور القوى الأمنية في الأحياء الساخنة وتفعيل حضورها الميداني.
من المسؤول؟
مأساة عمر عبيد ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة إذا استمرت هذه الظاهرة من دون معالجة حقيقية. إن فقدان شاب في ريعان العمر نتيجة رصاصة عشوائية، يجب أن يكون جرس إنذار لكل معنيّ، من السلطات الأمنية والقضائية إلى الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل.
إلى متى سيبقى السلاح في متناول الجميع؟ إلى متى سيُقتل الأبرياء في منازلهم، وفي الشوارع، وفي مناسبات يُفترض أن تكون آمنة؟ آن الأوان لتحرك حاسم يعيد إلى اللبنانيين شعورهم بالأمان، ويضع حدًا لهذا العبث القاتل.