ورغم أن ترامب يخوض حالياً معركة اقتصادية شاملة عبر فرض رسوم جمركية على جميع الدول، إلا أن ذلك لم يمنعه من توجيه سهام الضغط المكثف إلى الداخل الأميركي، وتحديداً نحو قانون “الرقائق والعلوم”، الذي أقرّه سلفه جو بايدن لإنعاش صناعة أشباه الموصلات الأميركية، حيث يسعى ترامب إلى إلغاء أو إعادة تقييم دور هذا القانون.
ما هو قانون الرقائق؟
وبموجب “قانون الرقائق والعلوم” تم تقسيم مبلغ 280 مليار دولار أميركي على النحو التالي:
نحو 200 مليار دولار لدعم عمليات البحث والتطوير العلمي والتسويق.
نحو 52 مليار دولار لدعم عمليات تصنيع أشباه الموصلات والبحث والتطوير على الأراضي الأميركية.
إعفاءات ضريبية بقيمة 24 مليار دولار على عمليات إنتاج الرقائق.
3 مليارات دولار للبرامج التي تدعم تطوير التكنولوجيا وسلاسل التوريد اللاسلكية.
قانون مُريع
وفي عهد بايدن، لم يُصرف سوى 4.3 مليارات دولار من إجمالي المبالغ التي تشملها المرحلة الأولى من القانون، الذي يمتد تنفيذه على عشر سنوات. ويرجع ذلك إلى أن التمويل مُصمم ليُصرف على مراحل، مع إنجاز الشركات المستفيدة منه للمشاريع المتفق عليها، فبناء مصانع جديدة لإنتاج الرقائق وأشباه الموصلات يستغرق سنوات.
من هم المستفيدون الرئيسيون من القانون؟
وتُعدّ شركة “إنتل” أكبر المستفيدين من قانون “الرقائق والعلوم”، حيث نالت الموافقة للحصول على منحة قدرها 7.9 مليار دولار لدعم المصانع التجارية، ومنحة منفصلة قدرها 3 مليارات دولار مُخصصة لإنتاج الرقائق العسكرية.
كما استفادت من هذا القانون شركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات” (TSMC)، وشركة “سامسونغ”، وشركة “ميكرون تكنولوجي”، إضافة إلى شركة “تكساس إنسترومنتس”، وشركة “غلوبال فاوندريز”، وشركات أخرى معنية بتغليف وتجميع الرقائق لاستخدامها في الأجهزة.
كيف أثّر القانون على صناعة أشباه الموصلات الأميركية؟
ويُعدّ هذا تغييراً جذرياً عما كان عليه الحال قبل بضع سنوات فقط، عندما كانت أميركا متأخرة عن ركب بعض الدول في تصنيع أي نوع من أنواع الرقائق المتطورة في العالم، وهي المكونات التي تعمل بمثابة “أدمغة” للأجهزة.
وبحسب جمعية صناعة أشباه الموصلات في واشنطن، فإن الولايات المتحدة في طريقها إلى مضاعفة قدرتها التصنيعية في صناعة الرقائق بنحو ثلاث مرات بحلول عام 2032، مما يعزز حصتها في السوق العالمية إلى 14 في المئة، مقارنة بـ10 في المئة حالياً. وقد أشارت الجمعية إلى أنه لولا قانون الرقائق، لكانت حصة الولايات المتحدة في هذه الصناعة قد تقلصت على الأرجح إلى 8 في المئة.
هل يُمكن لترامب إلغاء أو إعادة صياغة قانون الرقائق؟
ويتمثل الهدف الأساسي للرئيس ترامب في تحفيز شركات الرقائق على القيام بخطوات مماثلة لتلك التي قامت بها شركة TSMC، مُلمّحاً إلى أنه سيفرض رسوماً جديدة على استيراد أشباه الموصلات في المستقبل.
أما وزير التجارة في حكومة ترامب، هوارد لوتنيك، فقد أكد خلال جلسة تعيينه في يناير 2025، أنه يعتزم مراجعة الصفقات التي أُبرمت بموجب قانون “الرقائق والعلوم” في عهد إدارة بايدن. وبالفعل، تتم حالياً، وتحت إشراف كيان جديد في وزارة التجارة يُعرف باسم “مُسرّع الاستثمار الأميركي”، مراجعة المنح التي حصلت عليها الشركات بموجب القانون.
وبحسب تقرير “بلومبرغ”، فإنه حتى لو أدت عملية مراجعة قانون “الرقائق والعلوم” إلى تغييرات في الاتفاقيات، فإن إدارة ترامب لا تزال ملزمة قانوناً بإنفاق الأموال التي أقرّها الكونغرس لتنفيذ المرحلة الأولى من القانون، والبالغة 39 مليار دولار حتى السنة المالية 2026.
منح البرنامج “طابعا ترامبيا”
وشددت معلوف على أن هذا التحول في موقف الرئيس ترامب لا يمكن فهمه كتناقض، بل كمناورة ذكية تهدف إلى تحويل قانون “الرقائق والعلوم” من مبادرة قام بها خصومه السياسيون إلى مشروع يحمل بصمته الخاصة. فترامب يدرك أهمية القانون في دعم مكانة الولايات المتحدة التكنولوجية، لكنه في الوقت نفسه يسعى لتسجيل نصر سياسي من خلال إعادة هيكلة البرنامج ومنحه طابعاً “ترامبياً”، يعكس تشدده في الرقابة على الإنفاق، وتحقيق مكاسب تفاوضية أعلى مع الشركات المستفيدة.
واعتبرت معلوف أن مراجعة قانون الرقائق قد تثمر ولادة صفقات محسّنة، إلا أن تبديل قواعد اللعبة بعد كل دورة رئاسية في أميركا يطرح تساؤلات خطيرة حول استقرار المناخ الاستثماري في البلاد، حيث إن شركات كبرى تعهدت بمشاريع بمليارات الدولارات، بناءً على وعود إدارة بايدن، ولذلك فإن أي تعديل مفاجئ قد يدفع تلك الشركات، إلى التفكير في أسواق أكثر استقراراً مثل أوروبا أو كوريا الجنوبية، وهنا تكمن المعضلة بالنسبة لترامب، إذ يجب عليه أن يفرض شروطاً جديدة دون أن يفقد ثقة المستثمرين.