معادلة تحت النار… نزع السلاح أو عودة الحرب

Telegram     WhatsApp

سعد الياس – القدس العربي

تتجمّع عوامل التوتير والتصعيد في الداخل اللبناني في ظل مخاوف من عودة إسرائيل إلى توسيع استهدافاتها لتطال الضاحية الجنوبية لبيروت مرتين في أقل من أسبوع متذرّعة بإطلاق صواريخ مجهولة من شمال نهر الليطاني، ما يعني أن إسرائيل أدرجت الضاحية المكتظة بالسكان والتي تشكل معقل «حزب الله» ضمن بنك أهدافها، وهو ما يعزز المخاوف من النوايا العدوانية في ظل استمرار مسلسل الاغتيالات لكوادر «الحزب» بدءاً من جنوب الليطاني وصولاً إلى الهرمل وصيدا ومروراً بالضاحية وما ترمز إليه، هي التي احتضنت أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله وخليفته السيد هاشم صفي الدين وشهدت على استشهادهما في أعماقها.

وعلى وقع هذا التصعيد الإسرائيلي وتلويح رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو بأن بلاده «ستضرب في كل مكان في لبنان ضد أي تهديد»، برزت زيارة الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس حاملة الرسائل للدولة اللبنانية التي لم تعد تقتصر على تطبيق القرار1701 بكامل مندرجاته وتفكيك بنية «حزب الله» العسكرية جنوب نهر الليطاني، بل تطالب بوضع جدول زمني لنزع سلاح «الحزب» وتحض كبار المسؤولين اللبنانيين على تشكيل 3 لجان تفاوض مع إسرائيل تتخطى الطابع العسكري إلى السياسي بهدف إيجاد حل لاحتلال النقاط الخمس وبحث مصير الأسرى اللبنانيين وحل النقاط المتنازع عليها على الخط الأزرق. أكثر من ذلك، فإن نزع سلاح «الحزب» والقبول بالتفاوض مع إسرائيل يعتبر شرطاً أساسياً لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من النقاط الخمس وللحديث عن إعادة إعمار القرى والبلدات المهدمة بطريقة لم يسبق لها مثيل حتى في حرب تموز2006.
واللافت في سياق عملية الضغط على لبنان هو إعلان لجنة الإشراف على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار تعليق عملها، وهو ما زاد في قلق لبنان الرسمي وفي إرباكهم، ما حرّك المشاورات بين الرؤساء الثلاثة جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام للتوصل إلى موقف لبناني موحد حيال رسائل أورتاغوس التي تضعهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما التجاوب مع مطلب نزع سلاح حزب الله وبدء التفاوض مع إسرائيل، وإما معاودة الحرب الإسرائيلية بضوء أخضر أمريكي. وقد أسفر التنسيق الاستباقي بين الرؤساء الثلاثة إلى تثبيت موقف لا يذهب عبره لبنان إلى المجازفة بأزمة مع الجانب الأمريكي من شأنها ترتيب تداعيات خطيرة على البلد.
وقد قرأ الرؤساء الثلاثة بتمعن هذه الرسائل وما تخفيه من ضغوط على لبنان، ورأوا فيها محاولة لدفع بيروت نحو مفاوضات بقوة النار وإرغامها على القبول بما لا قدرة لها على تحمله ولاسيما موضوع التطبيع.

وساطة فرنسية

هنا، بدأ الحديث بعد زيارة الرئيس اللبناني جوزف عون إلى قصر الإليزيه عن وساطة فرنسية يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتبريد الوضع وخفض التصعيد والحؤول دون انزلاقه إلى مخاطر أكبر، مع إدراك المستوى الرسمي اللبناني أن المسعى الفرنسي لم ينجح في تحييد الضاحية الجنوبية عن الغارة الإسرائيلية وفي لجم لغة التصعيد، علماً أن الرئيس عون تلقى نصيحة فرنسية بتفادي الرفض المطلق لتشكيل لجان التفاوض والتوصل إلى مخرج يجمع ما بين الأمني والتقني من جهة والسياسي والدبلوماسي من جهة أخرى. غير أن لا شيء يوحي بقبول لبنان لغاية الآن بمثل هذا الخيار ما جعل البعض يحذّر من الرهان على ماكرون ومن الأخذ بنصائحه خصوصاً في موضوع السلاح وربطه باستراتيجية أمن وطني بعد التجارب التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 لاسيما أن فرنسا دأبت على تشجيع سياسة الأبواب المفتوحة وتبادل الخدمات مع طهران في لبنان فيما لا مجال للمماطلة في ظل التبدلات في المنطقة والعالم ولا مجال للتنصل من التعهدات والاتفاقات والعودة إلى لعبة التذاكي والتسويف.
من هنا، ثمة مَن يدعو الدولة اللبنانية إلى حسم موقفها من اقتراح أورتاغوس ولاسيما أن ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري حول احتكار الدولة للسلاح شديد الوضوح إضافة إلى موافقة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كانت تضم وزراء للثنائي الشيعي على اتفاق وقف إطلاق النار الذي نص أيضاً بصراحة على تفكيك البنية العسكرية لـ «حزب الله» وبسط سلطة الدولة بدءاً من جنوب الليطاني. ولا مفر بالتالي من حسم التردد وتبديد المخاوف من صدام بين الجيش اللبناني و«حزب الله»، ومبادرة الحكومة إلى مكاشفة «الحزب» من خلال وزرائه ونوابه إلى خطورة الوضع وضرورة الالتزام بتسليم السلاح وعدم الاكتفاء بمطالبة الولايات المتحدة وفرنسا والمجتمع الدولي بردع إسرائيل عن مواصة غاراتها وخروقاتها التي بلغت نحو 200 خرق ما أسفر عن مقتل حوالي 115 شخصاً وجرح حوالي 300 وتدمير آلاف الوحدات السكنية. فما كان يهدد به السيد نصرالله من خوض الحرب مع العدو الإسرائيلي بلا ضوابط ولا سقوف باتت إسرائيل تُقدم عليه، مستفيدة من غطاء أمريكي يمنحها حرية الحركة.

اتفاق لبناني سوري

ولم تعد محاصرة «حزب الله» تقتصر على الحدود الجنوبية بل تعدتها إلى الحدود الشرقية مع سوريا في ظل الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وما شهدته منطقة الهرمل والقصر وحوش السيد علي من اشتباكات مع الأمن السوري كان يمكن أن تستمر لولا تدخل الجيش اللبناني وتواصل وزير الدفاع اللبناني اللواء ميشال منسى مع نظيره السوري مرهف أبو قصرة إضافة إلى مشاركة الشرع في لقاء عبر «الزوم» مع ماكرون وعون، ثم رعاية المملكة العربية السعودية توقيع اتفاق بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري على ترسيم الحدود البرية بين البلدين وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية، وخاصة في ما قد يطرأ على الحدود بينهما. ومن المعروف أن سقوط نظام بشار الأسد قطع طريق الإمداد من إيران إلى «حزب الله» وأفقد الحزب حليفاً رئيسياً أتاح له إقامة ترسانة عسكرية داخل الأراضي السورية وأنفاقا استخدمت لتهريب الأسلحة والممنوعات، إضافة إلى أنه أتاح له استغلال قضية مزارع شبعا للاستمرار بالمقاومة بحجة التحرير من دون أن يُقدم الأسد على تثبيت لبنانية مزارع شبعا وحل الاشكالية حولها وما إذا كانت لبنانية فعلاً أم سورية.
وعلى الرغم من شعور «حزب الله» بأنه بات بين فكّي كماشة جنوباً وشرقاً، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تعرّض لها وفقدان قوة الردع العسكري التي لطالما جاهر بها، إلا أنه لم يتوقف عن رفع الشعارات التي دأب على رفعها قبل وخلال «جبهة إسناد غزة» والحديث عن نصر لرفع معنويات بيئته الحاضنة، وهذا ما يكرره أمين عام «الحزب» الحالي الشيخ نعيم قاسم في كل إطلالة إعلامية، ملوّحاً في آخر إطلالاته وتعليقاً على استهداف الضاحية الجنوبية بأنه «على الدولة أن تتصدى للعدوان، ولا يمكن أن نقبل بمعادلة أن تستبيح إسرائيل لبنان وأن تسرح وتمرح ساعة تشاء»، وقال «إن الوقت ما زال يسمح بالمعالجة السياسية والدبلوماسية، وإذا كنا صبرنا فهذا الصبر من أجل إعطاء الفرصة»، سائلاً «هل نبقى متفرجين أمام الاحتلال؟».

معادلة «حزب الله»

وقد طرح كلام الشيخ قاسم علامة استفهام حول استطاعة «حزب الله» الصبر أكثر في تبني الخيار الدبلوماسي في مواجهة الاعتداءات؟ وهل في قدرته العودة إلى المواجهة في ظل اختلال موازين القوى مع إسرائيل ونتائج الحرب الأخيرة المدمرة وما أنتجته من احتلال إسرائيلي وبقاء في التلال الخمس؟
الواقع، أن البيان الأخير لـ «حزب الله» الذي دان العدوان الأمريكي الإسرائيلي على سوريا واليمن وغزة ولبنان، اعتبر «أن المعادلة اليوم واضحة: إما المواجهة أو الاستسلام لمخططات العدو التي لا تهدف ‏إلا لإخضاع المنطقة وتركيعها والهيمنة على شعوبها ومقدراتها». وهذا يعني أولاً أن «الحزب» ليس في وارد تسليم سلاحه ليس بسبب مقاومة إسرائيل فحسب بل درءاً لأي خطر محتمل من سوريا، ويعني ثانياً أن «الحزب» في حال قرّر الخروج من الصبر إلى المواجهة سيضع لبنان من جديد في مهب الحرب ويضع نفسه وبيئته في حال الخطر الكبير. بالموازاة، وفي محاولة لترجمة ما ورد في البيان الوزاري وبعث رسالة إيجابية إلى كل من الولايات المتحدة والسعودية، جاء تصريح رئيس الحكومة نواف سلام الذي قال فيه «إن صفحة سلاح حزب الله انطوت بعد البيان الوزاري وشعار شعب جيش مقاومة أصبح من الماضي»، مشدداً على «أن البيان الوزاري ينص بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة والجميع ملتزم بذلك، ولا أحد يعمل في اتجاه معاكس لحصر السلاح بيد الدولة».

إنزعاج «الحزب» من سلام

وقد أثار موقف سلام وصمته على تصريحات وزير الخارجية يوسف رجي المتهم من بيئة «الحزب» بالتماهي مع السرديات الإسرائيلية، انزعاج «حزب الله» الذي قد يكون يحضّر لمنازلة جديدة مع إسرائيل هي أشبه بالمغامرة. وجاء الرد على رئيس الحكومة على لسان رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد من داخل السفارة الإيرانية قائلاً: «من يسوقه وهمه لافتراض أن المقاومة قد صارت من الماضي، وأن معادلتها المثلثة الأضلاع قد انتهت إلى غير رجعة، عليه، من موقع النصح، أن يُحاذر سكرة السلطة الموقتة، فالحكومات هي عادة ما تصير من الماضي، أما المعادلات التي يرسمها الشهداء بدمائهم الزكية، وبسمو تضحياتهم، فتخلد إلى ما بعد التاريخ». ولم يكتف رعد بل أضاف رداً على سلام «من يدّعي في بلدنا أنه يملك حصريًا قرار الحرب والسلم، أو حصرية امتلاك الدولة أو غيرها لهذا القرار، فهو يجافي الواقع والحقيقة، لأن العدو الصهيوني في أيامنا هو وحده من يشن الحرب».
قبل ذلك، أبدى «حزب الله» عدم رضاه على جولة رئيس الحكومة في الجنوب خصوصاً أنه لم يأت على ذكر «المقاومة» ولم يشارك في حفل التشييع الكبير لشهداء «الحزب»، وقد سمع سلام كلاماً جارحاً من أحد الشبان الذي قال له «لولا المقاومة وتضحياتها لما كنت هنا».
وتعبيراً عن انزعاجه، إنحاز وزيرا «حزب الله» مع وزيري «حركة أمل» إلى جانب رئيس الجمهورية على طاولة مجلس الوزراء في معركة تعيين حاكم مصرف لبنان كريم سعيد الذي كان يعترض رئيس الحكومة على تعيينه.
ويعتبر الثنائي الشيعي أن أداء الرئاسة الأولى يدل على تبصّرها وحكمتها وعلى رغبتها في معالجة موضوعية للسلاح خلافاً لأداء الرئاسة الثالثة التي إذا كانت علاقتها اهتزت نوعاً ما حول تعيين فكيف ستكون هذه العلاقة عند اتخاذ قرار مصيري يتعلق بسلاح «حزب الله» واستكمال بسط سلطة الدولة.

الدولة أمام الامتحان

يبقى أنه مع الزيارة الثانية لمورغان أورتاغوس والرسائل الحازمة لبيروت، لم يعد من مجال للترف، وباتت الدولة اللبنانية أمام الامتحان لإثبات القدرة والرغبة وعدم الاكتفاء بإدارة الأزمة أو البقاء أسيرة التردد. فقد تغيّرت الظروف ولم تعد إسرائيل تكتفي بالقرار 1701 وهي أصلاً لا تطبّقه متسلحة بضمانات أمريكية حول حرية الحركة. وإذا كانت الأدارة الأمريكية غضّت النظر لسنوات طويلة عن النفوذ الإيراني في لبنان وعواصم عربية أخرى إلا أنها مصممة حالياً على تفكيك الأذرع الإيرانية طوعاً أو قسراً، وباتت الرسائل الأمريكية تحمّل أركان الحكم اللبناني مسؤولية التباطؤ بالوفاء بالالتزامات الواردة في اتفاق وقف إطلاق النار وخصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح «حزب الله» شمال نهر الليطاني، في ضوء وجهة نظر يعبّر عنها بعض المسؤولين اللبنانيين تختلف عن التفسير الأمريكي لموضوع السلاح، ما قد يقود إلى تباين بين بيروت وواشنطن وإلى إطلاق يد تل أبيب في لبنان حيث لن تكون هناك قدرة للدولة ولا لـ «حزب الله» على مواجهة أي عودة للحرب ولتعريض البيئة الحاضنة لأهوال التهجير مجدداً.


يحدث الآن

14:17
ترامب: يتعين على البنك المركزي الأميركي خفض أسعار الفائدة
13:53
وزير المالية الإسرائيلي: لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة
13:14
ماكرون: ندعو إلى استنئاف وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن
13:08
لجنة المال تؤكد مبدأ التعاون الإيجابي مع صندوق النقد لكنها تتريّث في بتّ زيادة مساهمة لبنان في الصندوق بقيمة ٤٢٣ مليون دولار لحين الإطلاع من وزير المال على الأثر المالي على الخزينة وكيفية الدفع وفق أولويات الحكومة للإصلاح والإنقاذ
12:09
الخارجية الإيرانية: إذا تم تنفيذ التهديدات ضدنا فسنواجهها برد وشامل وحاسم
12:07
الرئيس عون يلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري في قصر بعبدا

حمل تطبيق الهاتف المحمول