لا يمكن لأحدٍ منّا أن يسكن في رأس رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل ليعرف نيّاته. لكنّ قراءة ما بين سطور مواقفه الأخيرة توحي بأنّه قرّر، في جلسة انتخاب الرئيس جوزاف عون، أن يبدأ معركته الرئاسيّة لخلافة عون.

نضج الجميّل بما يكفي ليدرك تركيبة هذا البلد وتوازناته، وأنّ الصوت المرتفع يفيد في حينٍ ومدّ اليد في حينٍ آخر. هو يعلم أنّ حزب الله لم يعد بعبعاً، وأنّ العدّ العكسي لانتهائه عسكريّاً بدأ، ولكن، في الوقت عينه، سيبقى حاضراً سياسيّاً، مستمدّاً قوّته من عدد نوّابه و”إقفال” الطائفة انتخابيّاً، مع حركة “أمل”، لا من الصواريخ والدعم الإيراني، ماليّاً وعسكريّاً.
يعني ذلك أنّ الموافقة الشيعيّة ستبقى ممرّاً لأيّ رئيس، حتى إشعارٍ آخر، ما يُلزِم بمدّ الجسور مع الطائفة والقوى الرئيسة فيها لمن يرغب بقرع باب قصر بعبدا. من هنا يمكن تفسير خطاب سامي الجميّل، من دون أن نعني أنّه غير مقتنعٍ بما قاله. لا بل هي الواقعيّة السياسيّة التي دفعته إلى اعتماد خطابٍ يتمايز عن الزعيمَين المسيحيّين الآخرَين، أي سمير جعجع المتشدّد في وجه حزب الله والرافض مدّ اليد والمصافحة، وجبران باسيل الخارج من تحالف سياسي مع حزب الله من دون أن يصبح في موقع الخصومة معه.
يريد سامي الجميّل أن يقول لكثيرين، على رأسهم الثنائي الشيعي: أنا لست سمير جعجع الذي لن تتّفقوا يوماً معه. ولست جبران باسيل الذي يريد تحالفاً معكم على قياس مصالحه.
ويريد، أيضاً وأيضاً، أن يكون استمراريّةً لعهد الرئيس جوزاف عون. رئيسٌ يصادق العرب والغرب من دون أن يكون “زلمة” أحدهم. ويرفض السلاح غير الشرعي من دون أن يكون رأس حربة في مواجهته. ولا يهمّ ترؤسه لكتلةٍ نيابيّة كبيرة إن حظي بدعم أكثر من كتلة. ومن المنطلق نفسه يجب النظر الى مشاركة الجميّل، شخصيّاً، في الاحتفال في الذكرى ٤٨ لاستشهاد كمال جنبلاط. علماً أنّ ترشّح الجميّل، إن حصل، سيُحرج كثيرين سيجدون أنفسهم مرغمين على تأييده.

ما سبق، بالتأكيد، سيناريو افتراضي، ولكنّه يلامس الواقعيّة. هل ينجح سامي الجميّل في هذه المهمّة؟ من المبكر جدّاً معرفة ذلك، ولكنّنا نثق بأنّه سيحاول، وما سيقوله وسيفعله في المستقبل يجب قراءته من منظار الانتخابات الرئاسيّة. وما مواقفه الأخيرة إلا بداية لكلامٍ كثير، وأيادٍ ممدودة في اتّجاهاتٍ عدّة.