عن تجربة نواف سلام مع أمراء الطوائف


كتب علي العزيز في النهار: بإمكان تجربة تشكيل الحكومة التي يخوضها الرئيس نواف سلام أن تكشف الكثير من الحقائق المتصلة بالتركيبة اللبنانية. وأن تثبت أن أهلها يحيطون بالكثير من المسائل العالقة والمعيقة في صيغة الحكم، ويعترفون بكونها مسؤولة عن فشل سياساتهم، لكنّهم لا يدارون حرصهم عليها، وتمسكهم بها. ومجاهرتهم بكونها تمثل، بالنسبة إليهم، خطوطاً دفاعية تمنعهم من السقوط. هم لا يجدون ضيراً في ال أنهم يحمون الصيغة المهترئة لكي يجدوا، في الظروف الصعبة، ما يؤمّن لهم سبل الحماية.











يقدم أحدهم قراءة تحليلية لموقف الرئيس المكلف فيكشف أنه يواجه التركيبة السلطوية بمختلف تجلياتها، هو لا يجاري الثنائي الشيعي في إصراره على حقيبة المالية، ولا القوات اللبنانية في افتراضها أنها شريكة في النصر على حزب الله، ولا يتوافق مع التيار الوطني الحرّ في اعتبار تسميته له، في الاستشارات الملزمة. حتى انه لا يتفق مع أبناء طائفته السنية في مشروعيه حصولهم على حقيبة سيادية. كما أنه لا يبدي حرصاً على نيل بركة مفتي الجمهورية، بوصفه مرجعه الروحي، فيحجم عن زيارته كما اعتاد أمثاله أن يفعلوا، ولا يتردد في الحديث عن قانون جديد للأحوال المدنية، وعن فصل الدين عن الدولة.
بالرغم أن المواصفات السابقة هي ممّا يندر توافره في أيّ شخصية سياسية لبنانية، وأن من شأنها بالتالي أن تجعل من نواف سلام الخيار الأمثل بالنسبة لكل اللبنانيين الطامحين إلى لبنان الوطن في موازاة المزرعة القائمة، إلا أن التحليل يهدف إلى الإثبات بأن الرجل هو مجرد حالم تعوزه الواقعية، وأنه أحد العابرين في سياق التسويات الإقليمية والدولية، وأنه مكلف بملء الفراغ في الوقت المستقطع المفروض بإرادة خارجية. برأي المحلل، وهو مدافع طليعي عن خيارات أحد أفرقاء السلطة المهيمنة، لا يتعدى نواف سلام أن يكون مجرد عنصر غريب عصي على الاندماج مع النسيج السلطوي السائد. فهو، ومهما امتلك من مقومات الفرادة والتميز، يبقى أقرب إلى غصن مقطوع من أيّ شجرة طائفية تمدّه بأسباب الحياة في ظل المناخ المهيمن.
صلافة التحليل تحرض على استعادة المقولة التي تتقاطع عندها كل أحاديث جماعة السلطة، وتجمع عليها فلولهم الإعلامية: في لبنان لا يمكن لأحد أن يلغي أحداً. لكنّها تسمح باستنباط دلالتها الصحيحة والعميقة أيضاً، هي تعني أنه ليس بوسع محمية طائفية أن تقصي مثيلتها عن حفل اقتسام الجبنة. وإن تكن اللحظة التاريخية تغوي أحياناً بتعزيز حصة واحدة منها على حساب أخرى. لكن العبارة المأثورة لا تشمل أولئك المنفيين من جنة التعايش الطائفي، ممن يرون في نواف سلام معبراً عنهم، وحاملاً لهواجسهم. مثل هؤلاء يجري إلغاؤهم دون الاعتراف بهم حتى كضحايا. بوسع المقولة الرائجة أن تكتسب، في سياق تجربة نواف سلام، مدلولاً إضافياً، مفاده أنّ إلغاء لبنان بكليته أسهل على أمراء الطوائف من التنازل عن حفنة، مهما كانت ضئيلة، من امتيازاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى