استشارات التأليف نحو استعجال حكومة تكنوقراط
وتنظر أوساط سياسية مؤيدة لتكليف نواف سلام إلى مضمون بيانه من زاوية محاكاته للأولويات الأشد الحاحاً للبنان وادراكه طبيعة التحديات التي ستلقى على حكومته بحيث تشبه أولى حكومات ما بعد الطائف الذي خصصه سلام في بيان بحيّز مهم للغاية. ولذا بدت المعطيات التي عكستها هذه الأوساط مساء أمس ميّالة إلى الايجابيات وتوقع إنطلاقة مبشرة لعملية تأليف الحكومة، عقب الاجتماع الثلاثي الذي ضم الرؤساء جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام في قصر بعبدا والذي تبعه اجتماع ثنائي مطول بين عون وسلام جرى خلاله الاتفاق على العناوين العريضة لاستعجال تشكيل الحكومة ومنع تنامي أي اشكالات قد تهدّد إقلاع العهد والحكومة بزخم منتظر داخلياً وخارجياً، ثم الجولة التقليدية التي قام بها الرئيس المكلف على رؤساء الحكومة السابقين وسمع خلالها تشجيعاً كبيراً واشادة بالتوجهات التي تضمنها بيان التكليف. ولكن هذه الانطباعات اصطدمت مساء أمس بمعلومات ترددت عن اتجاه حزب الله الى مقاطعة استشارات التأليف، ولكن أوساطا قريبة منه قالت إن لا موقف نهائياً بعد حيال المشاركة في الاستشارات، فيما تترقب الجهات المعنية المواقف النيابية التي ستعلن اليوم وغداً في الاستشارات النيابية غير الملزمة التي سيجريها الرئيس سلام في مجلس النواب لبلورة ما بدا اتجاهاً قوياً لدى الرئيسين عون وسلام الى حكومة تكنوقراط بالكامل تراعي التمثيل النيابي الشامل. وأما في ما يتصل بالموقف النهائي للثنائي الشيعي من المشاركة أو عدمها في الحكومة، فإن الأمر لن يتبلور بسرعة قبل تقدم المشاورات التي سيشرع في إجرائها سلام فور إنتهاء الاستشارات في المجلس مع اتجاهه الواضح إلى عدم استهلاك وقت طويل لإنجاز التشكيلة الحكومية.
وتوقفت مصادر سياسية مطلعة عبر«اللواء» عند توافق الرئيسين عون وسلام عند رفضهما إقصاء أي مكوِّن أو كسره وبددا هواجس المكون الشيعي، مشيرة إلى أن هذا الاطمئنان المشترك كفيل بأن يرتب الوضع خصوصا بعد مواقف مرتفعة السقف من هذا المكون وهناك ترقب لتلقفه الموقف.
ولفتت هذه المصادر إلى أن سياسة اليد الممدودة عكسها الرئيس المكلف من قصر بعبدا.
وأوضحت أن الموقف من عدم كسر أحد عبر عنه رئيس الجمهورية أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، مشيرة إلى أن رئيس الجمهورية تجنب أي حديث عن شكل الحكومة الذي يرغب في قيامها كحكومة العهد الأولى وأكد أهمية إتمام التأليف بأسرع وقت كي يتمكن العهد من الانطلاق، كما يرغب في أن يشارك فيها الجميع.
واعتبرت أن تشكيل الحكومة من دون أي تباطؤ ووضع العراقيل هو المطلوب.
ولفتت إلى أن المسألة لا تتصل بميل إلى حكومة معينة أو تركيبة محددة إنما بمشاركة جميع المكونات.
اما أوساط مراقبة فقالت ان الحكومة لن تكون فضفاضة ويتعاون الرئيسان عون وسلام في تأليفها وفقا للدستور، ولذلك سيتشاوران للإتفاق على شكلها وليسا في وارد تجاوز الأصول.
وعن صيغة الحكومة، يجري التركيز على فصل النيابة عن الوزارة، وتأليف حكومة من 24 وزيراً اخصائياً ولا ينتمون الى الاحزاب، وصيغة اخرى من 30 وزيراً بينهم 6 وزراء سياسيين.
وكتبت الديار: تبدو اجواء كل من الرئيسين عون وسلام ، متطابقة الى حد كبير لجهة كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، وهو ما اصر الاثنان على ايصاله لمن يعنيهم الامر سواء في تصريحاتهم العلنية، او خلال اللقاءات والاتصالات المغلقة، فانه من الجدير للاهتمام التوقف عند 3 نقاط بارزة في كلمة الرئيس المكلف، ابرزها:
-جاء خطابه منسجما مع التطلعات التي عبر عنها خطاب القسم بشكل واضح، لجهة اعادة بناء الدولة، تنفيذ القرارات الدولية، استعادة القانون موقعه.
-تاكيده على رغبته في التعامل مع الجميع، في حديثه عن « اليدين المدودتين» وتحديدا للثنائي الشيعي، في حال كان يعتبر ان هناك من يحاول اقصاءه.
-غياب اي اشارة الى ملف الانتخابات النيابية وقانون الانتخاب.
وكتبت الديار: تتقاطع مصادر مواكبة للاتصالات الجارية، على انه من مصلحة الثنائي المشاركة في الحكومة، خصوصا انه يملك بعضا من خيوط اللعبة التي مارسها مع انتخاب رئيس الجمهورية، وهو ما يجعل من المستحيل على اي حكومة ان تسير من دونه، للحفاظ على التوازنات داخلها، ولتلافي حصول» ازمة حكم»، وهنا التحدي الاساس امام الثنائي، بعيدا عن الحصص، في عملية اعادة ترميم علاقاته مع حلفائه و»شدشدة» التعاون معهم داخل مجلس الوزراء.
وابدت المصادر اعتقادها، بان اتجاه الامور لا يدل على ان البلاد تتجه الى ازمة حكم، نتيجة حرص حزب الله على الاستقرار العام واهتمامه باعادة اعمار ما تهدم، بالاضافة الى ان اجواء الساعات الاخيرة والمواقف الصادرة عن الرئيسين، ايجابية وتدعو الى «الاطمئنان»، آملة ان يكون ما حصل بمثابة غيمة صيف ومرت، خصوصا ان زيارة وفد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الى بعبدا تصب في هذا الاتجاه، حيث سمع كلاما واضحا من عون مفاده انه «لا يمكن لمكون ان ينكسر وغيره ألا ينكسر، فإذا انكسر مكون، ينكسر لبنان بأسره».
وختمت الاوساط بان المعطيات المتوافرة حتى الساعة، تؤكد على رغبة جامعة من كافة الاطراف للمشاركة في الحكومة الجديدة، التي يرجح ان تكون من 24 وزيرا، حيث تمثل كل كتلة من 5 نواب بوزير، على ان يتم اختيارهم من اصحاب الكفاءة والاختصاص، من قبل الاطراف والاحزاب السياسية، والابرز على هذا الصعيد هو توجه كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام الى عدم حصولهما على حصص وزارية، في سابقة ستكون الاولى منذ تطبيق دستور الجمهورية الثانية، حيث اعتاد الرؤساء على ان تكون لديهم كتلة وزارية ونيابية.
وبرز حرص سلام في بيانه على تقديم إعادة الإعمار كأولوية اساسية معلناً أنها ليست مجرد وعد بل إلتزام، وقرن ذلك بالتشديد الموازي على التنفيذ الكامل للقرار 1701 وكل بنود إتفاق وقف إطلاق النار، وفرض الانسحاب الكامل للعدو من آخر شبر محتل من الأراضي اللبنانية. وقال إن هذا يقتضي العمل أيضاً على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بواسطة قواها الذاتية، كما جاء حرفياً ونص عليه إتفاق الطائف. ولفت إلى أن الأساس في الإصلاحات السياسية هو العمل على تنفيذ أحكام الطائف التي لم تنفذ بعد، وعلى تصحيح ما نفذ منه خلافاً لنصه أو روحه، وعلى سد ثغراته. وهذا لا يتحقق من دون العمل على تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة، ومن دون سلطة قضائية مستقلة ومؤسسات أمنية فاعلة. ورداً على بعض الهواجس التي أثيرت بالأمس، قال: إنني بفطرتي وتكويني وممارستي السياسية لست من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة. ولست من أهل الاستبعاد بل من أهل التفاهم والشراكة الوطنية. ويداي الإثنتان ممدودتان إلى الجميع للإنطلاق سوياً في مهمة الإنقاذ والإصلاح وإعادة الإعمار. وتوجه إلى الشباب بالقول إن لبنان الذي سنعمل لأجله هو لبنان الذي يحتضنكم لتعيشوا فيه بأمان.
الرئيس المكلف سلام، جال على رؤساء الحكومات السابقين والتقى تباعاً الرؤساء نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، تمام سلام، ويجري الاستشارات النيابية غير الملزمة اليوم للكتل النيابية وغداً للنواب المستقلين في مبنى مجلس النواب. وأوضح سلام أنه سيستمع إلى النواب اليوم وعندما يكون لدي تصور فساشاركه مع الإعلام للرأي العام ونحن في عهد جديد ونريد له انطلاقة سريعة.