إسرائيل تدعو الشّرع للصّلاة في “الأقصى”؟

المقال الذي كتبه وليد صافي في “أساس ميديا” يناقش فكرة مثيرة للجدل صراحتاً تتعلق برؤية بعض النخب اليسارية في إسرائيل لإمكانية استخدام شخصيات سنّية مؤثرة، مثل القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع (المعروف سابقاً بـ “أبو محمد الجولاني”)، كجسر لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمجتمعات السنّية، بعيداً عن القنوات الرسمية المعتادة بين الدول.

وكتب,

يختلف الإسرائيليون في تقويم الحكم الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع (الجولاني سابقاً). إذ ينظر اليمين المتطرّف إلى هذه النخبة من “الإسلام السياسي” نظرة “الذئاب في ثياب الحمل، التي لن تنتظر طويلاً لرفع سلاح المواجهة مع إسرائيل من الجنوب السوري”.

في المقابل، ترتفع أصوات أخرى مختلفة تفكّر على الطريقة الصينية التي تنظر إلى الفرص التي تنشأ في مثل هذه التحوّلات.

لا تأتي هذه النظرة للتعامل مع التطوّرات الجديدة، انطلاقاً من فهم الواقع السوري، بل تبحث عن الفرص التي تخدم مصالح إسرائيل الاستراتيجية. ويبدو أنّ أهمّها في نظرهم هي “دعم قيام حكم ذاتي للأقلّيات، علاوة على إبعاد الأخطار الأمنيّة عن حدود إسرائيل الشرقية”.

المعضلة الأساسية التي تواجه إسرائيل حاليّاً هي تقرير كيفية التعاطي مع الحكم الجديد، الذي ينبثق من الأكثرية السنّيّة، التي أُخضعت لأكثر من خمسة عقود لحكم الأقلّية العلوية “المدلّلة” بتغطية من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والغرب بشكل عامّ.

لا قرار واضحاً لدى صنّاع القرار في إسرائيل في ما يتعلّق بطروحات بعض النخب في المسائل التالية: هل تطبّع إسرائيل مع الأكثرية السنّية؟ أم تقرّر مواجهتها على قاعدة علاقة هيئة تحرير الشام الوثيقة بمحور تركيا – قطر وخلفيّته الإخوانيّة؟ وهل تقبل بدولة ذات نظام مركزي كما أعلن قائد المرحلة الانتقالية أحمد الشرع؟ أم تدعم قيام فدرالية؟ أم تشجّع الأقلّيات على قيام حكم ذاتي يؤدّي إلى تقسيم سوريا إلى عدّة دول؟

الدّعوة إلى التّطبيع مع الطّائفة السّنّيّة 

يرى بعض النخب اليسارية في إسرائيل أنّ وجود الشرع على رأس المرحلة الانتقالية والبراغماتية التي أظهرها يشكّلان فرصة ذهبية لإطلاق مصالحة بين أهل السُنّة (التي تمثّل الأكثرية في سوريا) والإسرائيليين. تجربة التطبيع مع الدول لم تكن على قدر الآمال الإسرائيلية المتوقّعة، فالتطبيع مع الحكومات لم يترجم في المستوى ذاته مع الشعوب العربية.

ما دعا إليه آفي شيلون في مقالته في صحيفة هآرتس بعنوان “الشرق الأوسط الجديد يصنع فرصاً ممنوعاً إضاعتها”، كان ترجمة لهذه الحقائق. إذ كتب: “على إسرائيل أن تدعو “أبا محمد الجولاني” إلى زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى. الرهان على دعوة أحمد الشرع (الجولاني سابقاً) إلى القدس، يهدف بحسب شيلون إلى أن “تحقّق هذه الزيارة ما لم تستطع زيارة السادات تحقيقه”، أي المصالحة بين السنّة والإسرائيليين وليس بين الدولتين السورية والإسرائيلية.

فكرة دعوة زعيم سنّي تتّهمه تل أبيب بخلفيّة داعشيّة وإخوانيّة تشكّل منحى جديداً في طريقة التعامل مع القضايا المعقّدة، واعترافاً واضحاً بفشل التطبيع على الصعيد الرسمي. لا تخلو الفكرة من الخبث السياسي الذي ينشد التطبيع مع الشعوب على القاعدة ذاتها التي تعمل على تثبيتها إسرائيل، بمعنى التطبيع من دون دفع أيّ ثمن سياسي في حلّ الدولتين ولا في الانسحاب من الجولان، الذي يبدو أنّه صار بالنسبة إليهم من ممتلكات “أرض الميعاد”.

من جهته، أحمد الشرع الذي ينظر بواقعية محسوبة إلى الوضع الراهن في سوريا المتعبة والأولويّات التي تفرض نفسها، أعلن أنّه لا يريد الحرب حالياً مع أيّ دولة، وأكّد التزام سوريا باتّفاقية 1974 مع إسرائيل، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلّتها بعد سيطرة المعارضة على الحكم في سوريا.

إذاً من المبكر الحكم هل يقبل الشرع هذه الدعوة (إذا وجّهت له)، قبل معرفة عناوين السياسة الخارجية لسوريا الجديدة، وكيفية التعامل مع احتلال إسرائيل للجولان والمنطقة العازلة. وبالتأكيد لتركيا المتوجّسة من مخطّطات إسرائيل في الجنوب السوري ودعمها للأقلّية الكردية، كلمتها في هذا الموضوع، بصفتها الدولة الأكثر تأثيراً في الوقت الحاضر في توجّهات الحكم الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى