لبنان يواجه عدواً لا يأبه للقرارات الدوليّة
مارس 21, 2025
كلمة شيخ العقل
وبعد لقاء جمع الرئيس عون والرئيسين بري وسلام في حضور شيخ العقل ورؤساء الطوائف الروحية، انتقل الجميع الى القاعة الرئيسية.
والقى الشيخ ابي المنى خلال الإفطار كلمة في ما يلي نصها:
“بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الطيِّبين وعلى أنبياء الله الطاهرين أجمعين.
صاحبَ الفخامة، صاحبَي الدولة، أيّها الأكارم،
أيُّها الأخوةُ الكرام،
نُدرك وتُدركون أنَّنا في هذا الشرق العتيق نواجهُ عدوَّاً متربِّصاً بنا؛ يستعملُ القوَّة العسكرية حيناً والقوَّةَ الناعمة حيناً آخرَ في دهاءٍ وغطرسة لا حدودَ لهما، كما هو الحالُ في عدوانه وأطماعه التوسُّعيّة؛ فيَقتلُ ويدمِّرُ غيرَ آبهٍ بقراراتٍ دوليةٍ واتفاقاتٍ ميدانية، مثلما فعل ويفعلُ اليوم في غزّةَ بآلته الإجرامية، ويمدُّ يدَه إلى داخل المجتمعات ليعبثَ بالجذور والتراث؛ ويقدِّمُ إغراءاتِ الحماية والاحتضانِ لاستمالة الشعوب التي أفقرتها الأنظمةُ المخابراتيةُ الاستبدادية وهدَّدتها السياساتُ الإلغائية؛ عدوَّاً لا بدَّ من مقاومته، إن لم يكن بالسيف دائماً، فبالكلمة والموقف والتضامن الوطنيّ والعربي، مقاومةً دبلوماسيةً تستنهض عواصمَ العالم والمجتمعَ الدولي المتقاعسَ، وسياسيةً تحفظُ الثوابتَ الوطنيةَ والقومية ولا تفرِّطُ بها، وثقافيةً تحافظُ على إرث الآباء وهويّة الأجداد، واقتصاديةً تُجيدُ التخطيطَ والتعاون والاستثمارَ المُجدي، وغايتُنا الوحيدة أن تُستعادَ الحقوقُ المشروعة ويتحقَّقَ السلامُ العادلُ الشامل، وهذا هو مطلبُنا ومطلبُ الأمّة.
صاحبَ الفخامة، صاحبَي الدولة، إخواني الرؤساء الروحيين، أيُها اللبنانيُّون الوطنيُّون والأصدقاءُ الكرامُ، أيُّها الأحبَّة، لا مجال للشكّ بأن المِنطقة تواجهُ مخطّطاً فظَاً لتفتيت العالم العربي، ونحن نرى المحاولاتِ المتكررةَ لسلخ الأقليات عن هُويتها وتاريخها وعمقِها الوجدانيّ، لكنَّ طائفةَ الموحدين الدروز كانت وستبقى في بلاد الشام مرتبطةً بجذورها العربيةِ الإسلامية، ومتمسكةً بهويتها التوحيديةِ المعروفية، وحريصةً على رسالتها الوطنيةِ القومية، وإذا كان العقلُ والحكمةُ عنوانَها المعروف، والبطولةُ والإقدامُ تاريخَها الموصوف، فإنّ التسامحَ والتضحيةَ واحترامَ الشريكِ الوطنيّ ونبذَ التعصُّب هي مفاهيمُ إنسانيةٌ ثابتة تشكِّلُ رؤيتَها الحواريةَ الناصعة وحقيقتَها الوطنيةَ اللاحمةَ الجامعة.
صاحبَ الفخامة، قلتُم ونقول إنّ اللبنانيين صفتُهم الشجاعةُ وقوّتُهم التأقلم، والشجاعةُ اليومَ عندنا هي في المرونةِ والتأقلمِ مع الواقع وفي تغليب مصلحة البلد على كلِّ ما عداها. إنّ عهدَكم الذي عهدتموه يمتلكُ من الشجاعة والمرونة ما هو كفيلٌ بانطلاق مسيرة الخير بما تتطلّبُه من جهدٍ مشترَك وكفاءةٍ عالية، ورعايةٍ أبويةٍ طيِّبة من الرئاسة الأُولى، وثقةٍ مُستحَقَّةَ من المجلس النيابي، وتفاعلٍ إيجابيّ من الحكومة، وانخراطٍ من قِبل الجميع في هذه المهمة الوطنية، ونحن منهم، أخوةً وشركاءَ روحيين، لا نقبلُ التخلِّي عن مسؤوليتنا، بل نؤكِّدُ دائماً على الشراكةِ الروحيةِ الوطنية لتكونَ المِظلةَ الواقية والمساحةَ المشترَكة لورشة الإصلاح والإنقاذ.
معكم يا صاحبَ الفخامة ومعَ أركان الدولة وفاعلياتِ البلاد سيتحوَّلُ الحُلُمُ إلى حقيقةٍ بعون الله، والحاضرُ إلى مستقبَلٍ واعدٍ، لأبنائنا المقيمين المطالِبين بالتغيير والتطوير ولأولئك المنتشرين في بلاد العالم القريب والبعيد، والذين يترقَّبون الخطواتِ العمليةَ للإصلاح والبناء، وقد بدأت تباشيرُها تظهر من حكومة الإصلاح والإنقاذ، وما علينا إلاَّ أن نستمرَّ في إيقاد جُذوةَ الشعورِ الوطني في أبنائنا للانخراطِ في مسيرة النهوض ووضعِ طاقاتِهم الغنيَّةِ والمتنوِّعة في خدمة الدولة والوطن.
إننا ننتظرُ أن تبدأَ رحلةُ العمل لتحقيق الأمل، في ورشةٍ داخلية يشاركُ فيها الجميعُ، مجلساً وحكومةً وإدارةً ونُخَباً متنوِّعة، نحافظُ من خلالِها على سيادة بلادنا ونصونُ حدودَها وننهضُ باقتصادها ونُحصِّنُ مجتمعَها ونبني مؤسساتِها ونستثمرُ علاقاتِها، لنُعيدَ وطنَنا إلى خريطة العالم، بعمقِه العربيِّ وانفتاحه الدوليّ، وهذا ما يستحقُّه لبنانُ بما لديه من تراثٍ وطاقات، وبما يختزنُه من مقوِّمات حياة.
جاء في الحديث الشريف قولُه (ص): “إنَّ اللَّهَ لا يَجمعُ أمَّتي علَى ضلالةٍ، ويدُ اللَّهِ معَ الجماعة”، وها نحن مجتمِعون على الحقِّ والخير، علَّنا نُحيي بلادَنا فنُخرجَ منها ما يُدهشُ العالَم، استناداً إلى قولِه تعالى في القرآن الكريم: “وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ”.
نحمَدُه تعالى ونشكرُه على نعمة وجودنا في هذه البلاد، وعلى نعمة وجود نخبةٍ مخلصة من أبناء الوطن في مواقع المسؤولية والقرار، وليكنْ معلوماً لديكم فخامةَ الرئيس أنّ التحدّياتِ ستظلُّ قائمةً والعقباتِ الطبيعيةَ والمُصطنعة والمستورَدة ستظلُّ تُواجهُكم وتَضعُكم أمام خياراتٍ صعبة، لكنكم مُصمِّمون على التحدي وعليكم تُعقَد الآمال، كيف لا؟ وأنتم مُتمرِّسون في مهمة المواجهة والصمود، وإلى جانبِكم رئيسُ البرلمان الحكيم المخضرم الأستاذ نبيه برِّي، ورئيسُ الحكومة القادمُ من قوس العدالة والنزاهة والعالمية القاضي الدكتور نوَّاف سلام ومجموعةُ الوزراءِ الواعدين، ونحن كذلك سنكون معكم وإلى جانبكم، بصلواتنا ومواكبتِنا، لنكون كلُّنا مجتمعين في شراكةٍ روحيةٍ وطنية مكتملة، منتصرين بانتصار الوطن.
عِشتُم وعاش الوطنُ، وكلُّ عامٍ وأنتم بخير، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه”.