عودة الوفد اللبناني إلى اجتماعات صندوق النقد الدولي: الإصلاحات شرط أساسي للحصول على الدعم
أبريل 27, 2025
عودة الوفد اللبناني إلى اجتماعات صندوق النقد الدولي: الإصلاحات شرط أساسي للحصول على الدعم
اختتم الوفد اللبناني برئاسة وزير المال، ياسين جابر، مشاركته في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن، بمجموعة من اللقاءات الهامة التي تناولت أبرز القضايا الاقتصادية والمالية التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة الحرجة. كان من أبرز هذه اللقاءات الاجتماع الخاص “بتمويل لبنان في مجال التعافي وإعادة الإعمار”، وذلك من خلال مشروع المساعدة الطارئة للبنان (LEAP)، الذي يهدف إلى تقديم الدعم المالي لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يعاني منها لبنان.
لبنان في مفترق طرق: التزام بالإصلاحات لمستقبل أفضل
خلال الاجتماعات، أكد وزير المال ياسين جابر باسم الحكومة اللبنانية التزام لبنان بالمسار الإصلاحي، مشدداً على أن “البلاد أمام فرصة تاريخية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي والمواطنين اللبنانيين على حد سواء”. وأوضح جابر أن الحكومة اللبنانية، بدعم من رئيس الجمهورية المنتخب حديثاً، قد شرعت في تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأشار إلى أن هذه الإصلاحات تشمل العديد من الجوانب الهامة مثل إقرار موازنة 2025، وإطلاق إصلاحات في قانون السرية المصرفية، فضلاً عن تطوير قوانين ضريبية حديثة تهدف إلى تحسين النظام الضريبي وتعزيز الحوكمة والرقابة في مؤسسات الدولة. كما تم التركيز على إصلاح قطاعي الطاقة والطيران والاتصالات، الذي يشكل جزءاً أساسياً من عملية الإصلاح الهيكلي.
إصلاحات مالية ونقدية: بناء قطاع مالي قوي ومستدام
وأضاف وزير المال اللبناني أنه من أبرز الخطوات التي تعتزم الحكومة اتخاذها هي إعادة هيكلة القطاع المالي في لبنان، عبر إقرار “قانون الفجوة المالية” واستراتيجية “استعادة الودائع”، وهي خطوة تهدف إلى ضمان التوزيع العادل للخسائر المالية وفقاً للمعايير الدولية. وأوضح أن هذه الإصلاحات النقدية ستكون أساساً لعملية إعادة بناء الثقة في النظام المالي اللبناني، خاصة فيما يتعلق بمصرف لبنان.
وتأتي هذه الإصلاحات ضمن خطة طموحة لإصلاح القطاع المالي والنقدي، وهو ما يراه المراقبون خطوة أساسية لضمان استقرار الاقتصاد اللبناني واستعادة الثقة في المؤسسات المالية المحلية والدولية.
لبنان يواجه تحديات إعادة الإعمار: طلب الدعم الدولي
وفيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن الأزمة المالية والحروب السابقة، أشار جابر إلى أن لبنان يواجه حاجة ملحة لإعادة الإعمار والتعافي، حيث تقدر الأضرار بحوالي 11 مليار دولار أمريكي. وأكد أن الحكومة اللبنانية تسعى للحصول على دعم المجتمع الدولي في إطار برنامج “LEAP” الممول من البنك الدولي، والذي يبلغ حجمه مليار دولار، ليكون أداة أساسية لتمويل عملية التعافي.
وأكد جابر أن “النمو بقيادة القطاع الخاص هو مستقبل لبنان، ولا يمكن تحقيق ذلك من دون شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي”. وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث يتطلع لبنان إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية مع المؤسسات الدولية والدول المانحة، لتحقيق استقرار طويل الأمد.
إشادة دولية بالإصلاحات اللبنانية
من جانب آخر، أشاد نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي، ميغيل كلارك، بالاجتماعات مع الوفد اللبناني، ووصفها بأنها كانت “جيدة جداً”. وقال كلارك في تغريدة عبر منصة “إكس” (تويتر) عقب الاجتماع: “رحبت بإصلاح السرية المصرفية. كما ناقشنا الإصلاحات الصعبة والحرجة للنمو المستدام، والجهود المبذولة لتمويل إعادة الإعمار”. وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي لا يزال ملتزماً بمواصلة العمل مع لبنان لإعداد حزمة الإصلاحات المطلوبة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
إصلاحات قانونية أساسية: قانون “الفجوة المالية” و”إعادة هيكلة المصارف”
فيما يتعلق بملف الإصلاحات القانونية، كشفت مصادر مطلعة أن الحكومة اللبنانية ستبدأ خلال الأسابيع القليلة المقبلة مناقشة وإقرار مشروع قانون “الانتظام المالي” أو ما يُسمى بـ”قانون الفجوة المالية”. يهدف هذا القانون إلى تحديد الخسائر المالية في القطاع المصرفي وكيفية توزيع المسؤولية عن هذه الخسائر بين المصارف ومصرف لبنان والدولة، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على مصير الودائع وحقوق المودعين.
كما أوضح المصدر أن هذا القانون يعد خطوة أساسية تمهد لإقرار “قانون إعادة هيكلة المصارف”، الذي يُنتظر أن يُعرض قريباً على مجلس النواب. ومن المنتظر أن تساهم هذه الإصلاحات في تصحيح الوضع المالي للبنان، وتضمن توزيع الخسائر بشكل عادل ومستدام.
فرنسا ودعوة لمؤتمر دعم لبنان
في هذا السياق، أبلغت فرنسا المسؤولين اللبنانيين مؤخراً أنها مستعدة لدعوة المجتمع الدولي إلى عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان في باريس في يوليو المقبل. ومع ذلك، أكدت فرنسا أن تحديد موعد المؤتمر مرتبط بتحقيق تقدم ملموس في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي يتطلبها المجتمع الدولي.
ومن المتوقع أن يساهم هذا المؤتمر في تعزيز الدعم الدولي للبنان، خاصةً في ضوء الأزمات التي يواجهها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية. وتعتبر فرنسا من أبرز الدول التي تدعم لبنان في محنته، وتدعو إلى تقديم مساعدات مالية تساهم في استعادة الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
لبنان أمام فرصة حاسمة: الإصلاحات أولاً للحصول على الدعم الدولي
بحسب المعطيات الحالية، فإن الحكومة اللبنانية تسعى جاهدة لإقرار قوانين الإصلاح الأساسية قبل أو مع بداية الصيف. حيث يأمل المسؤولون اللبنانيون أن تتمكن البلاد من إقرار “قانون الفجوة المالية” خلال الأسابيع المقبلة، لتكون الخطوة التالية هي إقرار “قانون إعادة هيكلة المصارف” بعد دراسته في اللجان المختصة في البرلمان.
ويوضح مصدر نيابي أنه “هناك ارتباط وثيق بين قوانين إعادة هيكلة المصارف والفجوة المالية، إذ إن تحديد الخسائر وتوزيع المسؤوليات يشكلان قاعدة أساسية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل منظم وشفاف”. ويرجح المصدر أن يتم إقرار هذين القانونين في البرلمان خلال الأشهر القليلة القادمة، وهو ما يعتبر أمراً بالغ الأهمية لضمان استقرار القطاع المالي اللبناني.
الأمل في المستقبل: دور الإصلاحات في استعادة الثقة وتحقيق الاستقرار
من جانب آخر، يأمل المسؤولون اللبنانيون أن تسهم هذه الإصلاحات في تعزيز ثقة المجتمع الدولي في لبنان. ويؤكد العديد من الخبراء أن إنجاز الإصلاحات المطلوبة قد يكون مفتاحاً للحصول على المساعدات المالية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة إلى الهيئات والدول المانحة.
وفي هذا السياق، يبرز دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو في لبنان. ويعتبر العديد من المراقبين أن استعادة الثقة في النظام المالي اللبناني، من خلال تطبيق الإصلاحات اللازمة، سيسهم في جذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
الختام
تظل الإصلاحات الاقتصادية والمالية في لبنان القضية الأساسية التي ستحدد مصير الاقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة. ومع الالتزام بإجراء الإصلاحات المطلوبة، يأمل لبنان أن يتمكن من استعادة ثقة المجتمع الدولي ودعمه لتحقيق التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار. وفي حال تمكن لبنان من تنفيذ هذه الإصلاحات بشكل ناجح، فإن ذلك سيؤمن له فرصة حقيقية للعودة إلى المسار الصحيح نحو الاستقرار والازدهار.