بتاريخ 27 أبريل 2025، يواصل لبنان السير في مسار اقتصادي استثنائي، تتغير فيه قواعد اللعبة المالية بشكل دراماتيكي. في ظل انهيار النظام المصرفي التقليدي، ووسط غياب الثقة في البنوك المحلية، بدأت العملات الرقمية في لبنان تفرض نفسها كخيار واقعي وفعلي لنقل الأموال، وتخزين القيمة، وإجراء المعاملات اليومية، بل وحتى كأداة للاستثمار والادخار.

تصاعد استخدام العملات الرقمية بعد 2019

منذ اندلاع الأزمة المالية اللبنانية في عام 2019، وما تلاها من قيود شديدة على التحويلات المصرفية وتجميد الودائع، بدأ المواطنون يبحثون عن بدائل أكثر أمانًا ومرونة. أحد هذه البدائل تمثل في التحول نحو العملات الرقمية المستقرة مثل USDT (Tether) والبيتكوين (Bitcoin)، بهدف الحفاظ على مدخراتهم من التضخم المتصاعد، والانهيار التاريخي لليرة اللبنانية.

وفي حديث خاص، أوضح الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري أن التحول إلى العملات الرقمية ليس مجرد توجه فردي بل أصبح ظاهرة شبه جماعية، تشمل اللبنانيين داخل البلاد والمغتربين خارجها، الذين يستخدمون هذه الأصول الرقمية لتحويل الأموال وتلقيها دون المرور عبر البنوك التقليدية.

المخاطر القانونية والأمنية لاستخدام العملات المشفرة في لبنان

ورغم الفوائد الواضحة، إلا أن سوق العملات الرقمية في لبنان يعاني من غياب التنظيم القانوني، مما يجعل المستخدمين عرضة لمخاطر متعددة. فلا توجد قوانين تحمي المستثمرين في حال حدوث عمليات احتيال، أو خسارة في المحفظات الرقمية، أو تعرض الحسابات للاختراق الإلكتروني.

في هذا السياق، يشير الخوري إلى أن انعدام إطار تشريعي واضح يجعل المستثمرين في منطقة رمادية قانونيًا، مما يضعهم في موقف ضعيف عند النزاعات أو الأزمات، ويزيد من صعوبة استرجاع الحقوق أو التصدي لممارسات غير شرعية.

عوائق التبني الواسع للعملات المشفرة في لبنان

مع كل ما سبق، يظل التبني الواسع للعملات الرقمية في لبنان يواجه عدة عوائق، منها:

• نقص الثقافة المالية والرقمية لدى معظم المستخدمين.
• التقلب الكبير في أسعار العملات المشفرة، ما يجعلها غير مناسبة للاستخدام اليومي على نطاق واسع.
• غياب البنية التحتية الرقمية اللازمة لدعم تداول العملات المشفرة بشكل آمن وفعال.
• الخوف من الاستغلال في أنشطة مشبوهة، مثل غسيل الأموال أو التهرب الضريبي.

كل هذه العوامل تحد من إمكانية أن تصبح العملات المشفرة بديلًا كاملاً للنظام المصرفي في الوقت الحالي، لكنها لا تنفي أنها تمثل حلاً تكميليًا متناميًا.

مشاريع ناشئة تدفع نحو التحول الرقمي

رغم التحديات، ظهرت مؤخرًا بعض المبادرات اللبنانية المبنية على تقنية البلوكتشين (Blockchain)، خاصة في مجالات مثل:

• توثيق الوثائق والعقود
• تسهيل الخدمات اللوجستية
• تطوير حلول رقمية لسوق العقارات

هذه المبادرات لا تزال في مراحلها الأولى، ولكنها تمثل نواة محتملة لاقتصاد رقمي بديل قد يزدهر مستقبلًا في حال توفر الدعم القانوني والتكنولوجي المناسب.

تعدين البيتكوين في لبنان: فرصة بديلة أم مخاطرة؟

من الظواهر اللافتة أيضًا انتشار تعدين البيتكوين في لبنان، خصوصًا في ظل توفر الطاقة الرخيصة نسبيًا من المولدات الخاصة. يقول الخوري: “كل شخص لا يستخدم الطاقة الكاملة من مولده الخاص، يملك فرصة لاستغلال الفائض في تشغيل أجهزة تعدين البيتكوين، مما يولد له دخلًا بديلاً”.

وقد تطورت هذه العمليات من مبادرات فردية صغيرة في المنازل إلى مزارع تعدين متوسطة الحجم مزودة بأنظمة تبريد ومراقبة احترافية. هذا الواقع أضاف بُعدًا عمليًا جديدًا للاقتصاد الرقمي المحلي في ظل الأزمات الاقتصادية العنيفة التي يمر بها البلد.

العملات الرقمية كأداة لمواجهة انهيار الليرة

وسط الانهيار المستمر في قيمة الليرة اللبنانية، أصبحت العملات المشفرة ملاذًا آمنًا للبعض، رغم تقلباتها. وازداد استخدامها في:

• التحوط من التضخم
• تحويل الرواتب من الخارج
• تسديد المدفوعات الكبيرة داخليًا وخارجيًا

ويبدو أن هناك شريحة متزايدة من الناس بدأت تعتبر العملات المستقرة مثل USDT شبه رسمية في معاملاتها اليومية، في ظل غياب الثقة بالنظام المالي الرسمي.

هل العملات الرقمية بديل فعلي للنظام المصرفي؟

يُجمع الخبراء على أن العملات الرقمية تمتلك المقومات لتكون منافسًا للنظام المصرفي، لا سيما مع قدرتها على:

• نقل الأموال بسرعة وأمان
• توفير خدمات إقراض رقمية دون وسطاء
• تخزين القيمة بعيدًا عن التضخم

لكن في المقابل، ما زالت هذه العملات تعاني من نقص الثقة، ضعف البنية التشريعية، ومخاطر أمنية تجعلها خيارًا تكميليًا، لا بديلاً حقيقيًا حتى الآن.

غموض ضريبي وتنظيمي يعوق النمو

على الصعيد الضريبي، لا تزال الدولة اللبنانية تفتقر إلى سياسة واضحة تجاه مكاسب العملات المشفرة. فحتى الآن، لم يُصدر أي قانون ينظم أو يفرض ضرائب على الأرباح الناتجة عن بيع أو تعدين البيتكوين أو غيره.

لكن بعض المؤشرات تدل على توجه حكومي نحو تنظيم هذا القطاع في المستقبل، سواء من خلال قوانين ضريبية أو أدوات رقابية تابعة لمصرف لبنان، بحسب الخوري.

ماذا عن الليرة الرقمية؟

في عام 2020، عبّر مصرف لبنان عن رغبته في إصدار ليرة رقمية رسمية، لكن لم تُتخذ أي خطوات تنفيذية حتى اليوم. ويُعزى ذلك إلى:

• ضعف البنية التحتية الرقمية
• التحديات السياسية والمالية التي يواجهها البنك المركزي
• غياب رؤية واضحة حول كيفية دمج العملة الرقمية في النظام المالي الحالي

ومع ذلك، يرى الخبراء أن العملة الرقمية الرسمية يمكن أن تُستخدم مستقبلًا لتوزيع الإعانات أو مراقبة التدفقات النقدية بشكل أكثر كفاءة وشفافية.

العملات الرقمية في لبنان: بين الفرص والمخاطر

في المحصلة، يُعد صعود العملات الرقمية في لبنان نتيجة حتمية لانهيار النظام المصرفي، وغياب الثقة في المؤسسات المالية. وبينما تحمل هذه الأصول الرقمية وعودًا كبيرة، فهي محفوفة بالمخاطر في ظل غياب التنظيم.

إذا أرادت الحكومة اللبنانية الاستفادة من هذه التكنولوجيا الثورية، فعليها أن تتحرك سريعًا لتأسيس بنية تشريعية واضحة، ودعم الابتكار، وتعزيز الوعي الرقمي بين المواطنين.

توصيات لتحسين المشهد الرقمي المالي في لبنان:

1. إصدار تشريعات واضحة لتنظيم العملات الرقمية
2. إنشاء هيئة رقابة رقمية تابعة لمصرف لبنان
3. إطلاق برامج توعية حول الأمان الرقمي والاستثمار المسؤول
4. توفير بنية تحتية رقمية لدعم المحافظ والتطبيقات المشفرة
5. تحديد موقف ضريبي شفاف بشأن أرباح العملات الرقمية

هل لبنان مستعد لاعتماد العملات الرقمية بشكل رسمي؟

الوقت كفيل بالإجابة، لكن الأكيد أن المستقبل المالي الرقمي بدأ بالفعل.

هل ترغب في تحليل إضافي حول البنية القانونية للعملات المشفرة في لبنان؟